هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصص الأنبياء

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
هـمسـه


هـمسـه


انثى
عدد الرسائل : 2936
العمر : 38
الدوله : قصص الأنبياء Male_e10
تاريخ التسجيل : 20/04/2008

قصص الأنبياء Empty
مُساهمةموضوع: قصص الأنبياء   قصص الأنبياء Icon_minitimeالأربعاء 15 أبريل - 12:07:46


قصص الأنبياء
الأنبياء في القرآن


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


الأستاذ/ عمرو خالد..

آملين أن يساهم حديثه إلينا في النهوض بأحوالنا وتجاوز المصاعب التي نواجهها في حياتنا بإيمان قوي وخلق طيب، فإننا نؤمن أنه لا صلاح للأمة إلا بصلاح شبابها، ولا صلاح لشبابها بغير قدوة.

فهيا بنا معا نضع أيدينا في يديه ملتمسين في طريق النبي صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، وأسباب الحياة الطيبة.


ما معنى كلمة قصة؟

إن كلمة قصة أصلها من "اقتص الأثر" في الصحراء حتى وصل إليه.. ومن هنا جاءت كلمة "قصاص" أي تتبَّع أثر الجاني حتى وجده، ولذلك مادة "قصص" تعني تتبَّعَ الشيء إلى أن وصل لنهايته؛ ولذلك نجد أم سيدنا موسى عليه السلام عندما أخذت ابنها وتم إلقاؤه في البحر أرسلت أخته إليه وهي تقول كما جاء في كتاب الله {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}، وعلاقة ذلك بقصص الأنبياء أننا سنقتص -نتتبع- أثر الأنبياء، وسنفعل ذلك في قصة كل نبي حتى نصل إلى نهايتها لنستفيد منها، ولهذا أرجوك أن تكون معي بقلبك حتى تستطيع استخراج العبرة منها..

هل قصص الأنبياء كل تفاصيلها وأحداثها حقيقية؟

نعم حقيقية فالذي يرويها هو الله تبارك وتعالى، وليس كاتبا قد يدمج بين أحداث حصلت بالفعل وأحداث أخرى خيالية؛ واستمع في هذا إلى قول الله تبارك وتعالى {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ..}، ويقول {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.. بمعنى أنك ستسمع يونس في بطن الحوت وهو يُسبِّح، وسترى سكينا على رقبة إسماعيل لا تذبح، وستبصر بحرا ينشق وصواعق تسقط.. وجبالا تُدك، ومطلوب منك أن تصدق، فهل هناك شك في قلبك؟ لا أظن ولا يجب أن يكون؛ فإن تصديقك لقصص الأنبياء وإيمانك بمصداقيتها وحقيقة أحداثها جزء لا يتجزأ من عقيدتك..

ما معنى تكرار قصص الأنبياء في القرآن؟

بالنسبة لتكرار نفس القصة مرات عديدة؛ فأحيانا تتكرر القصة حتى يثبت الله معنى في قلبك.. فقصة إبراهيم تتكرر مرات عديدة حتى تتعلم الطاعة، ونوح يصبر على قومه 950 عاما وهو يقول {رَبِّي إِنِّي دَعَوْت قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا}.. فتتعلم الصبر، وهكذا في القصص المكررة الأخرى، وأحيانا تتكرر القصة لأن نفس القصة ستتكرر في حياتك أنت مئات المرات، مثل قصة آدم وإبليس، لأن الشيطان إن كان قد ضحك على أبيك آدم مرة فستسقط أنت مئات المرات.

ما الفرق بين النبي والرسول؟

هناك فرق بين النبي والرسول، فاسمع قول الله تبارك وتعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ...}؛ إذن فقد فرق الله بينهما فعلا، ولكن ما الفرق؟ هناك مفهوم شائع أن الرسول هو الذي أُوحِي إليه بشرع ثم جاءه الأمر بالبلاغ، لكن النبي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بالبلاغ، أي أن الرسول نزلت له رسالة ولديه أمر بتبليغها وإيصالها للناس، لكن النبي هو الذي أرسل إليه بالرسالة ولم يأتِه أمر بتبليغها، وهذا رأي مشكوك فيه!! فكيف تأتي رسالة ولا تكون مصحوبة بضرورة التبليغ؛ فإذا كان العلماء مأمورين بالتبليغ فما بالك بمن أرسلت له الرسالة! وأكيد ليس هذا هو المعنى؛ ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي.." وبهذا نفهم أن النبي يبلغ ولكن الفرق الصحيح هو أن الرسول هو الذي أوحي إليه بشرع جديد وأُمِر أن يبلغه –مثل موسى عليه السلام- أما النبي فهو مَن أوحي إليه بتقرير شرع نبي قبله وأمر أن يبلغه، والاثنان مأموران بالتبليغ، ولهذا كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء والمرسلين.

ما عدد الأنبياء والرسل؟

عن أبي ذر الغفاري قال: "قلت يا رسول الله كم المرسلون فقال النبي ثلاثمائة وبضعة عشر". هذا الحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، وقال: كم الأنبياء يا رسول الله؟ فأجاب: مائة ألف وعشرون ألفا منهم ثلاثمائة وخمسة عشر رسولا" فكل الأنبياء الذين جاءوا إلى الأرض 120 ألفا وكل الرسل 315 رسولا.. والفائدة التي أريد أن أخرج بها هي قول الله تعالى {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ}، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }.. بمعنى أنه لا توجد أمة إلا وأرسل الله إليها رسولا من عنده..

ولكنك ستسأل لماذا لم يرسل الله نبيا بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ سأقول لك لقرب يوم القيامة فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "بعثت أنا والساعة كهذه من هذه; أو كهاتين، وقرن بين السبابة والوسطى"، والأمر الثاني أننا كلنا مأمورون بالبلاغ وإيصال رسالة النبي صلى الله عليه وسلم..

لماذا قص الله علينا قصص بعض الأنبياء ولم يقص البعض الآخر؟

يقول الله تبارك وتعالى {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ...} فإجمالي الرسل الذين ذكروا في القرآن هم 25 رسولا من 300 رسول أرسلوا، وجمعت سورة الأنعام منهم 18.. يقول الله تبارك وتعالى:

{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ...}

والله لا يسرد قصة إلا إذا كانت تحمل العبرة والعظة؛ فبالتالي لم يقص علينا قصص بعض الأنبياء والرسل لأنها من الممكن أن تكون قصصا مفيدة في وقتها لكنها لا تحمل إفادة لمن يعيشون في آخر الزمان مثلما كانت فترة وجودها..

هل يجوز أن نفضل نبيا على نبي آخر؟


يسمع أحدنا قول الله تبارك وتعالى {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}.. فيظن أنها تعني أننا لا نستطيع أن نفضل النبي محمد صلى الله عليه وسلم على بقية الأنبياء، والمعنى غير ذلك، فـ"نفرق" هنا ليس تفريقا في الحب أو في المقام ولكن "نفرق" هنا معناها أن تؤمن ببعض الرسل ولا تؤمن بالبعض الآخر.. لكن الحب أكثر للنبي صلى الله عليه وسلم هذا لا شيء فيه، ويؤكد لنا هذا المعنى قول الله تبارك وتعالى -ويقصد اليهود { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا.}؛ هذا هو معنى أنه لا تفريق بين نبي وآخر.

ومع ذلك فإن الله سبحانه فضل بعض الأنبياء على البعض الآخر فاستمع إلى قوله تعالى {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ..}؛ فمسألة التفضيل واردة، ولكن أفضل الأنبياء هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهناك حديث للرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أول شافع، وأنا أول مشفع، ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة، فيفتح لي فأدخلها، ومعي فقراء المؤمنين، ولا فخر، وأنا أكرم الأولين، والآخرين، ولا فخر."..

وهناك آية تشعرك بقيمة النبي صلى الله عليه وسلم تقول {وإذ أخذ اللّهُ ميثاق النَّبيّينَ لما آتيتُكُم من كتابٍ وحكمةٍ ثُمَّ جاءكُم رسُولٌ مُصدِّقٌ لِما معكُم لتُؤمنُنَّ به ولتنصُرُنَّهُ قال ءأقررتُم وأخذتُم على ذلكُم إصري قالُوا أقررنا قال فاشهدُوا وأنا معكُم من الشَّاهدين}.. ومعنى هذه الآية أن الله لم يرسل رسولا ولا نبيا إلا وأمره أن يتبع محمدا وينصره..

من هم أولو العزم من الرسل؟.. ولماذا سُمُّوا بذلك؟

أولو العزم من الرسل خمسة وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين، وقد جمعتهم هذه الآية {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْك وَمِنْ نُوح وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى ابْن مَرْيَم وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}، وسموا بأولي العزم لشدة صبرهم وعزيمتهم ونحن أتباع آخر نبي من أنبياء العزائم..

هل الأنبياء معصومون؟.. وهل ذلك قبل النبوة أم بعدها؟

أود أن أذكر أولا أن معنى العصمة هي "المنع والعصمة من المعاصي". أي أن يمنعك الله منعا باتا من الوقوع في معصية؛ فلا يوجد نبي أرسله الله إلا وعصمه الله من الكبائر ومن الصغائر، أما عن فترة ما قبل النبوة فهناك رأيان، الأول يقول بأنهم معصومون قبل النبوة من الكبائر والصغائر، والآخر يقول بأنهم قبل النبوة قد يقعون في هفوات لكنهم لا يقعون في أخطاء تمس الشرف.. أي أن معصية الأنبياء قبل النبوة تصبح هفوة ولكن الغالب عند العلماء أنهم معصومون قبل النبوة وبعدها إلا من الهفوات الصغيرة.

فإذا تساءل أحدنا، وهل هناك عصمة لغير الأنبياء؟ فالإجابة هي لا، فلم تثبت العصمة إلا للأنبياء، ولكن قد يُنقِّي الله أولياءه من الصغائر ويحميهم؛ ليس من باب العصمة ولكن من باب حب الله لأوليائه لدرجة أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعمر: "والله يا عمر لو سلكتَ فجّا لسلك الشيطان فجا غير الفج الذي سلكته".

وعصمتنا نحن أن يحمينا من الكبائر، وأن يعيش الواحد منا ولم يشرب الخمر ولم يغضب والديه غضبا شديدا، ولم يفرط في الصلاة.. ولذلك أوصي الشباب بأن يدعو الله أن ينجيهم من الكبائر ومن الإصرار على الصغائر..

وبهذا نكون قد أشرفنا على الوقوف على باب روضة قصص أنبياء الله، ونستأذن في دخولنا باسمه تعالى في رحاب قصة آدم عليه السلام في حديثنا القادم بإذن الله..

والله أسأل لنا الهدى والرشاد وحسن الأدب مع الله ومع أنبيائه ورسله.. وما توفيقي إلا بالله.

****

ولنا عودة اخرى وللحديث بقيه

انتظرونا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هـمسـه


هـمسـه


انثى
عدد الرسائل : 2936
العمر : 38
الدوله : قصص الأنبياء Male_e10
تاريخ التسجيل : 20/04/2008

قصص الأنبياء Empty
مُساهمةموضوع: << خلق آدم >>   قصص الأنبياء Icon_minitimeالأربعاء 22 أبريل - 10:33:37

<< خلق آدم >>

***

عملية الخلق التي مر بها آدم عليه السلام تشير إلى مظهر من مظاهر قدرة الله تعالى، لكننا في نفس الوقت نتعلم منها درسا مهما جدا لتحقيق عبوديتنا الحقة لله وهو الخضوع والخشوع والتواضع بين يدي الله.

كيف خُلق آدم؟


تقرأ في بعض آيات القرآن أن آدم خلق من تراب، قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ}

وتقرأ أنه خُلِق من صلصال، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}، وفي غيرها أنه خلق من طين، قال تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ}.

وتجد آية تقول بأنه خُلِق من طين لازب، قال تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}.

وفي غيرها أنه خلق من صلصال من حمأ مسنون، أو أنه خُلِق من فخار، فاقرأ معي قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من فخار}..

فمن أي شيء خلق آدم؟

وبداية نقول إن آدم خلق من كل ما سبق، فهذه كلها مراحل خلق آدم.. فآدم لم يخلق بـ {كُن فيكون}؛ لكنه خُلق بمراحل متعددة؛ كل مرحلة تؤدي إلى التي تليها حتى اكتمل خلق آدم.

لقد مر خلق آدم بست مراحل، أراد الله في كل مرحلة أن يرسل إلينا رسالة ومعنى.

مراحل خلق آدم


المرحلة الأولى:

خلقُه من تراب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الترمذي: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من تراب الأرض".. وفي رواية أخرى "من جميع تراب الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض"..

لقد اختلف بنو آدم ولم يأتوا متشابهين لاختلاف التربة التي جاءوا منها، فصفاتهم مختلفة باختلاف الأرض التي دخلت في تكوينهم، منهم الأحمر والأبيض والأسود، وجاء منهم السهل والصعب والخبيث والطيب، فهناك أرض خصبة طيبة، وهناك أرض خبيثة، وهناك أرض صعبة غليظة، وهناك أرض سهلة بسيطة؛ وكذلك الناس.. فاقرأ الحديث مرة أخرى: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من تراب الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وجاء منهم السهل والحَزْن –أي الغليظ-والخبيث والطيب"..

لقد صنع الله سبحانه من التراب بشرا يفكر ويتكلم ويركب سفن فضاء ويصعد للسماء، سبحان الله خلق من التراب بشرا يتحرك في الأرض، والمعنى الذي أريد أن أذكرك به هو أنك من تراب ضعيف فكيف تعصي الله؟ كيف تقول لربنا لا لن أفعل؟ كيف استطعت أن تزني وتشرب الخمر وأنت قبضة من تراب الأرض؟ وكيف لا تصلي؟ كيف تقدم مصلحة التراب –كما تظنها- على أحب عمل إلى الله وهو الصلاة؟ يقول الله تبارك وتعالى: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ، ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ، ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}.

الحقيقة أنك لابد أن تتعلم التواضع والخضوع، انظر لبدء خلقك وستعرف أن أهم درس نفهمه هو الخضوع والتواضع لله.. فاقرأ هذا الحديث، يقول النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة: "يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب. قالت كيف يا رسول الله؟ قال: جاءني ملك من السماء يقول: يا رسول الله إن الله يقرئك السلام ويخيرك بين أن تكون ملكا نبيا أو عبدا نبيا، يقول النبي: فنظرت إلى جبريل فأشار إليّ أن ضع نفسك يا محمد فاخترت أن أكون عبدا نبيا".. وانظر إلى الحديث القدسي: "من تواضع لي هكذا -وجعل النبي يخفض بطن يده إلى الأرض، رفعته هكذا -وجعل النبي يرفع بطن يده إلى السماء"، ولذلك سمي آدم بـ"آدم" لأنه من أديم الأرض -أي من تراب الأرض- لكي يرتبط دائما اسم أبو البشر جميعهم بالتراب، فنحن بنو آدم، وآدم من تراب..

المرحلة الثانية:

التراب بُلِل بالماء فأصبح طينا، وهذا هو معنى قول الله سبحانه وتعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ}.. يقصد المرحلة الثانية من خلق آدم، وهناك معنى جميل، حول اختيار الله للعنصرين "التراب والماء" ليخلق منهما الإنسان، ثم علمنا أن التراب والماء وظيفتهما الأساسية هي التنقية والطهارة؛ فلا طهارة بغير ماء، وفي حالة عدم وجود الماء نتيمم، والأرض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا}، فالأصل في الأرض أنها طاهرة، فكأن الله أراد أن يقول لك أيها الإنسان إن معدنك طاهر نظيف، وإنك خلقت من أكثر الأشياء طهارة ونقاء..

المرحلة الثالثة:

بدأ الطين يتلاصق مع بعضه ويتجمع إلى أن أصبح متماسكا سميكا، يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} أي طين متماسك ومتلاصق ويسهل تشكيله، وكأن المعنى أن في تركيبتك قوة وتماسكا، لا تشتت نفسك؛ فمعنى التماسُك عدم التشتيت، فإذا ابتعدت أيها الإنسان عن الله فأنت متفرق ومشتت فلابد أن تتعب، ولهذا تجد كل من بَعُد عن ربه في تعب ومشقة من كثرة تشتته وقد ابتعد عن مصدر توحده.

المرحلة الرابعة
:

تشكيل الله بيديه الكريمتين للإنسان، فربنا شكل آدم كالصلصال طبقا لقول الله تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ}.. فيا من خلقك الله بيديه الكريمتين، أتتواضع أم لا؟

النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاث خلقهن الله بيديه ولم يخلق شيئا بيديه إلا الثلاثة؛ آدم، وجنة عدن، والألواح التي كتبها الله سبحانه وتعالى لموسى"، وكل المخلوقات الأخرى خلقها الله بقوله: {كُن فيكون}.

المرحلة الخامسة:

ترك الصلصال حتى يجف؛ فتغير لونه فصار كالحمأ المسنون -وهو الصلصال الذي يميل بعد تغير لونه للسمرة- وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}، ولو أردنا أن نخرج بمعنى من هذه المرحلة الخامسة فهي أنك مخلوق ضعيف.

المرحلة السادسة:

وهي مرحلة ما بعد أن جف الصلصال فجوّف -أي أصبح فيه تجويف من الداخل- فصار كالفخار المجوف، ليبدو تمثالا من صلصال، ولو طرقت على هذا التمثال فإنه يصنع صوتا.

يقول الله تبارك وتعالى: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}؛ فأصبح إبليس يطوف بهذا الجسد ويُقلِبه وكلما قلبه أصدر صوتا، وعلى هذا فليس هناك تعارض بين الآيات وبعضها، فالتراب تحول إلى "طين مبلل" ثم إلى "طين لازب" متماسك مجمع، وتشكّل بيد الله الكريمتين فأصبح صلصالا في شكل إنسان، وترك حتى جف فأصبح صلصالا من حمأ مسنون، ثم صنع فيه تجويفا فأصبح كالفخار... فكأننا نراه الآن تمثالا ضخما عملاقا لا حراك فيه، تمثالا خاليا من الروح.. ثم تُرك هكذا مدة من الزمن حوالي أربعين يوما، وهي المرحلة التي سبقت دخول الروح.

وهذه المدة التي ترك الله فيها آدم بدون روح -كالتمثال- هي المقصودة بقول الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً}..
فإذا تساءلنا لماذا تعددت مراحل خلق الإنسان ولم يخلق بـ {كُن فيكون}، فأول ما يطالعنا من إجابة: كي تعرف ضعفك وقدرة ربك ومدى احتياجك إليه، ولنتعرف على مظهر من المعجزة التي جعلت التراب يتحرك..

لقد طاف إبليس حول آدم ليعرف نقطة ضعفه، وقد عرف أن هذا الكائن الجديد لا يستطيع أن يملك نفسه عند الشهوة، ولهذا فإن نقطة الضعف ليس لها إلا حل واحد كما يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ...}؛ فالحل هو اللجوء إلى الله والاستعانة به ولا شيء غيره..

فاللهم ارحم ضعفنا.. وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الخبير.



لنا عودة وللحديت بقية

هنتكلم عن << ونفخت فيه من روحي >>

انتظرونا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هـمسـه


هـمسـه


انثى
عدد الرسائل : 2936
العمر : 38
الدوله : قصص الأنبياء Male_e10
تاريخ التسجيل : 20/04/2008

قصص الأنبياء Empty
مُساهمةموضوع: << ونفخت فيه من روحي >>   قصص الأنبياء Icon_minitimeالثلاثاء 28 أبريل - 9:35:42

<< ونفخت فيه من روحي >>


وفى المره السابقه وقفناعند المرحلة السادسة من خلق آدم، تلك المرحلة التي بدأ فيها الإنسان تمثالا من صلصال لا حياة فيه، وذكرنا أنه تُرك فترة على هذه الحال..

والآن سيحدث شيء عظيم جدا -وأتمنى أن تستحضر قلبك معي- وهو أن الله سينفخ فيه من روحه، يقول الله تبارك وتعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}.. بمعنى أن الله شكل آدم بيديه من تراب وماء، وهما عنصران غاية في النظافة، ليس هذا فقط بل إن الله نفخ فيك من روحه، وبهذا فالآية السابقة فيها تكريم للإنسان، فالله سوّى -أي جمّل شكله، ثم نفخ فيه من روحه، ثم أمر الملائكة أن يسجدوا له.. فهيا بنا نتعرف على قدر هذا المخلوق العظيم عند ربه وخالقه، من خلال بعض الأحاديث القدسية، يقول الحق تبارك وتعالى في حديث قدسي: "إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، أرزق ويُشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرّهم إليّ صاعد، أتودد إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم، ويتبغّضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر ما يكونون إليّ، أهل ذكري أهل مجالستي، من أراد أن يُجالسني فليذكرني، أهل طاعتي أهل محبتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم، وإن أبَوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهّرهم من المعايب، من أتاني منهم تائباً تلقّيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، أقول له: أين تذهب؟ ألك رب سواي.. الحسنة عندي بعشر أمثالها وأزْيد، والسيئة عندي بمثلها وأعفو، وعزتي وجلالي لو استغفروني منها لغفرتها لهم).

ويقول لداود عليه السلام:

"يا داود لو يعلم المدْبرون عني شوقي لعودتهم، ومحبتي لتوبتهم، ورغبتي في إنابتهم لجاءوا شوقا إليّ.. يا داود هذه رغبتي بالمدبرين عني فكيف محبتي للمقبلين عليّ".

وسبحان الله الكريم العظيم الذي يقول في حديثه القدسي:"عبدي؛ أخرجتك من العدم إلى الوجود، وأنشأت لك السمع والبصر والعقل والقلب ولا تخشاني، أذكرك وأنت تنساني، عبدي أستحي منك وأنت لا تستحي مني، فمن أعظم مني جودا، من ذا الذي يقرع بابي فلم أفتح له، ومن ذا الذي سألني فلم أعطِه، أبخيل أنا فيبخل عبدي عليّ"

ويقول الله تبارك وتعالى في حديث قدسي آخر: "يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخِركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخِل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه"..

عن الروح والجسد

المخلوق العاقل الوحيد الذي خُلق من مادتين هو الإنسان فالملائكة خلقوا من مادة واحدة وهي النور ولذلك خلقوا من أجل أن يسيروا في اتجاه واحد، لكن الإنسان خلق من مادتين حتى يكون هناك تنازع، والمادتان هما: غلاف خارجي اسمه الجسد، وداخل الجسد يوجد تجويف حتى تدخل فيه الروح، والروح خلقت من ملكوت السماء وعلمها عند ربي، والغلاف الخارجي مخلوق من تراب الأرض؛ فأصبح بداخلك جزء من السماء وجزء من الأرض، جزء يشدك إلى السماء وجزء آخر يشدك إلى أسفل اسمه الجسد، ولكل منهما غذاؤه الذي يستمد منه الحياة، فكما أن الذكر والطاعة هما غذاء الروح وهو "الجزء الباقي"؛ فإن الطعام والشراب والشهوات غذاء الجسد وهو "الجزء المفقود"..

ولقد حدثنا الله عن أناس يعيشون لأجسادهم فقط في سورة كاملة هي سورة التكاثر، والتكاثر هو غذاء في الأجساد والنهي في السورة ليس عن التكاثر، ولكن النهي جاء للإلهاء الذي يحدثه التكاثر، فانظر معي إلى تلك السورة: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ، كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ، لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ، ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}

ولهذا فإن علينا أن نوازن بين الروح والجسد، وإن كان الأولى أن تفضل الروح لكي يشبع الجسد بالتبعية.. فالذي يطالبنا به الله هو التوازن بينهما..

اليوم الذي خلق فيه آدم

نعود الآن إلى عملية خلق آدم ونقول إنه بمجرد أن نفخ فيه الله من روحه عطس آدم فقالت الملائكة: قل: الحمد لله، فقال: الحمد لله، فقال الله تبارك وتعالى: رحمك ربك؛ فكانت أول ما سمعه آدم من الله عز وجل هي كلمة الرحمة.. فأول كلمة بدأ بها الكون كلمة: "رحمك ربك"، وقد جاء هذا في حديث رواه الترمذي؛ ومن هنا كانت مسألة تشميت العاطس سُنة بدأ بها الكون..

وعن اليوم الذي نفخ الله في جسد آدم من روحه فهناك أحاديث صحيحة تذكره، أولها حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم وفيه أُدخِل الجنة وفيه هبط إلى الأرض وفيها تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة".. حديث رواه مسلم وأبو داود، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خلق آدم بعد العصر من يوم الجمع

ة في آخر الخلق"؛ أي أن آدم هو آخِر المخلوقات، وخُلِق بعد عصر يوم الجمعة في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر والليل.

ونستفيد من هذا معرفة قيمة يوم الجمعة الذي أمرنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن نبدأه بالاغتسال، ووجهنا إلى التطيب واستعمال السواك والملابس النظيفة والتبكير إلى الصلاة، وقراءة سورة الكهف.

وعن يوم الجمعة أيضا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في يوم الجمعة ساعة لا يصادفها عبد مسلم يسأل الله عز وجل حاجة إلا أعطاه الله إياها"، ودعاء هذه الساعة يوم الجمعة مستجاب يقينا، والعلماء أغلبهم قالوا إنها الساعة الأخيرة قبل المغرب، وقالوا إنها الساعة التي خُلِق فيها آدم؛ وأن من تكريم الله لنا وتذكيرنا بقيمة هذه الساعة جعل فيها الدعاء مستجابا..

بقي أن نشير إلى أن الله تبارك وتعالى مسح على ظهر آدم فأخرج من ظهره كل ذريته إلى يوم القيامة، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة"؛ والعلم الحديث أثبت أن ماء الرجل يأتي من عظام الظهر، وهو ما جاء في القرآن إذ يقول تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}.. والمعنى أن هذه الوقفة والشهادة التي شهدناها هي التي كونت الفطرة السليمة بداخلنا والتي تدلنا على توحيد الله، وبها تعرف قلوبنا أن الله هو الخالق الواحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.


لنا عودة وللحديت بقية

بإذن الله هنتكلم عن << آدم في القرآن الكريم.. >>

انتظرونا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هـمسـه


هـمسـه


انثى
عدد الرسائل : 2936
العمر : 38
الدوله : قصص الأنبياء Male_e10
تاريخ التسجيل : 20/04/2008

قصص الأنبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الأنبياء   قصص الأنبياء Icon_minitimeالخميس 7 مايو - 5:46:53

قصة آدم في القرآن


مازلنا مع قصة آدم عليه السلام.. وقصة آدم ذكرت في القرآن 25 مرة في 25 آية، الغريب أن الآيات في الـ 25 مرة كلها تؤكد على نفس المعنى لكن باستخدام ألفاظ مختلفة؛ وهذا يدل على الإعجاز البلاغي في القرآن، وأول ما ذكرت قصة آدم ذُكِرت في سورة البقرة، وهي أول قصص قرآني، ففي الصفحة الثانية من سورة البقرة ستجد قصة آدم.

ولعلك تتساءل، لماذا قصة سيدنا آدم هي أول قصة في القرآن الكريم؟! وأرى أن المعنى من ورود قصة آدم بعد مقدمة الآيات هو أن فيها سر الوجود إلى يوم القيامة، ولهذا إن أردت أن تعيش سعيدا هانئا في الدنيا والآخرة فعليك أن تقرأ قصة آدم عليه السلام؛ فكل ما يمكن أن يفسد عليك آخرتك وحياتك الدنيا ستجده في هذه القصة، فهي النموذج الأول الذي سيدلك على طريق الهداية، وإنني أقسم يا إخواننا أنك أيها المسلم بدون قصة آدم لن تعرف خط سيرك في الحياة...

نبدأ مع الآية من سورة البقرة وتقول: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْن نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}..

ولعلنا ندرك أن استخدام "إذ" تجعلك وكأنك تعيش الحدث تماما الآن، وكلمة "قال" تدلك على الماضي السحيق، إلا أنك أيها الإنسان جزء من هذا الماضي البعيد..، وهذا يقودنا للإجابة عن بعض الأسئلة التي تطرح نفسها على عقولنا مثل:

لماذا قال الله للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}؟ هل يستشيرهم الله؟!

لا والله، ولكنه الإخبار، أي يقول للملائكة أنتم سيكون لكم دور مع هذا المخلوق الجديد فلابد أن أخبركم قبل أن أكلفكم، وهنا يتردد معنى جميل جدا، ذاك أن الله لا يحاسب أحدا أو يعاقبه قبل أن يخبره أولا –في حال بني البشر، وقد أراد الله تبارك وتعالى أن يفهم الملائكة القضية قبل أن يكلفهم بتكليف يخص دورهم في حياة ذلك المخلوق الجديد..

{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}.. ولاحظ أن هذه الآية تشير إلى ما قبل خلق آدم وعصيانه لربه، بمعنى أن آدم مخلوق أصلا لكي يبقى في الأرض وليس في الجنة مكان ولادته الأصلي فهو خلق من الأرض لكي يبقى في الأرض، {جاعل فِي الأَرْضِ}.. ويعني هذا أن غلطة آدم لم تكن هي التي أنزلته إلى الأرض فقد كان سينزل إلى الأرض حتما، ولكن لماذا كان المرور على الجنة أولا؟

ونرى أن ذلك من أجل أن تدرك أن أصل أبيك آدم كان في الجنة وأن المستقر الحقيقي في الجنة، وكما يقول الشاعر:

فحي على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيـم..
لكننا سبي العدو فهل تر انــــا نُرد إلى أوطاننا ونسلم..

فإذا كنا في كل الأحوال سننزل الأرض، فلماذا كانت قصة معصية آدم في الجنة؟

لعل الله تبارك وتعالى أراد أن يضرب لنا نموذجا عمليا لكيفية إغواء الشيطان وكيفية الوقوع في الخطأ وكيفية التوبة..

فالشجرة المحرمة تتكرر آلاف المرات في حياتنا، وأسلوب الشيطان يتكرر آلاف المرات في حياتنا، فكانت قصة آدم مكررة 25 مرة في القرآن، حتى إذا ما نسينا تذكرنا، فالتكرار من أجل التذكير وإمعانا في الفهم؛ لأن رَبنا رحيم، أيضا كي لا يأتي أحد يوم القيامة يقول إنه لم يبلغه الأمر.

سؤال آخر، آدم خلق من الأرض وللأرض وإن قصة المعصية كان لابد منها لكن لماذا أصلا خلق للأرض؟

ونقول إننا كان لابد وأن ننزل الأرض لمعنى مهم جدا وهو أن هذا المخلوق الذي أوجده الله جزء من تركيبته الذاتية أنه لا يعرف قيمة الأشياء إلا عندما يتعب في الوصول إليها، وأنه لو حصل على شيء بسهولة لا يقدر له قيمته ولا يقدر النعمة الكبيرة التي أوجده الله فيها..

أراد الله أن ننزل إلى الأرض لنعرف قيمة الجنة، لهذا فمن لا يشتاق إلى الجنة - بمعنى أنه لم يبذل جهدا في سبيل الوصول إلى الجنة- لابد له أن يمر على النار....

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}.. كلام كثير جدا قيل عن كلمة خليفة.. فهي تعني استخلفه الله على الأرض أي جعله مسئولا هو وذريته عن الأرض لكي يعيش في طاعة لله عز وجل، مع تسخير الكون كله له، فالله ائتمنك أيها الإنسان على وديعة وأنت المسئول عنها ولذلك قال الله تعالى: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق}.. ولعلك عرفت الآن معنى قول الله تبارك وتعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان}..

وهذا يأخذنا لسؤال مهم جدا؛ لماذا خلق الله الإنسان من الأصل؟

نحن خلقنا لشيئين؛ أولهما قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}؛ أي لتعيش طائعا لله. وليست الطاعة صلاة وصياما وعبادات فقط؛ ولكن أن نعمل كل خطوة في حياتنا بنية توجهنا إلى الله فتكون حققت كل شيء في حياتك..

يقول ابن القيم: "كل نفس وكل نقطة عرق لا تخرج في الدنيا في سبيل الله ستخرج في الآخرة حسرة وندامة"، فالله لم يخلق الإنسان لكي يصلي الصلوات الخمس في اليوم فقط، ولكنه خلقه لكي يعبده طوال الأربع والعشرين ساعة..

الهدف الثاني للخلق: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} فالأولى كانت على المستوى الشخصي، والثانية أنه خلقه ليكون خليفة يصلح الكون، بمعنى أن تكون في نفسك متدينا وتصلح الكون من حولك، وعندما تقف بين يدي الله يوم القيامة ستسأل عن هاتين الوظيفتين اللتين من أجلهما خلقت.. ولكن يأتي من يقول إن أول ما يسأل عليه الإنسان يوم القيامة هو الصلاة، ولكن يا جماعة هذا في ركن العبادات ولكن الذي ستحاسب عليه قبل العبادات هو عقيدتك، ولعلك الآن تكون قد عرفت معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يوقع بكم عذابه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم".

والحديث الشهير "أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها قال إن فيها عبدك فلان لم يعصك طرفة عين قال اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط". وفي هذا يقول الشيخ الشعراوي: "غفل الإنسان عن حقيقة وضعه على مر التاريخ ونسي أنه مستخلف في الأرض"

دعونا نستكمل الآية التي تقول: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْن نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}.. وهذا لم يكن اعتراضا ولا غِيرة، ولكن خافت جموع الملائكة أن يكونوا قصروا في حق ربنا فاستبدلهم..

ولكن من أين عرفت الملائكة؟

جاء في تفسير القرطبي لهذه الآية: قاله قتادة، وقال عبد الله بن عمر: كانت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فطردوهم إلى الجزر والبحور. ومن أجل هذا فإن الجن مازالوا يسكنون الجزر والبحور.

ولاحظ أن الله سمح للملائكة بالحوار ليس للاعتراض ولكن ترك الله بفضله وكرمه للملائكة أن يحاوروه، أما نقطة: {وَنَحْن نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} فالنبي صلى الله عليه وسلم يحكي عن هذه الآية وهو في رحلة المعراج فيقول: "فسمعت السماء تردد سبحان العلي الأعلى سبحان العلي الأعلى سبحان العلي الأعلى" وبعد قليل يسمع سبحان الله وبحمده"..

{قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}.. صحيح أن هناك من سيأتي يسفك الدماء ويفسد في الأرض، ولكن سيأتي بعده من يخشع، منهم أنبياء وشهداء وصادقون ومؤمنون ومهتدون؛ فمؤمن واحد أغلى عند الله من ملايين من الكافرين، فإن المقصود أنك من يقاوم المعصية بهذه الآية: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}..

{وَعَلَّمَ آدم الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} الآية 31 من سورة البقرة، ويقصد بالأسماء كل شيء في الكون؛ الحجر والشجر والبحر والزراعة والصيد والنار وكل ما فيها ومن فيها، حتى يستطيع أن يسيِّر الدنيا، فمن أجل أن يكون خليفة، لابد أن يجيد فنون الدنيا، فلابد من العلم بجوار الدين، وهكذا كان آدم، لم يكن متدينا فقط بل كان خبيرا بفنون الدنيا حتى يكون خليفة ناجحا في الأرض فكان هذا من متطلبات: {وَعَلَّمَ آدم الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قَالَ يَا آدم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قالَ أَلَمْ أقُلْ لكم إني أعلمُ غيبَ السمواتِ والأرضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}.

لقد انبهرت الملائكة وقال الله تبارك وتعالى: "قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ".. فآدم لديه إرادة الخير والشر وبعد ما أجاد الدنيا والدين؛ استحق أن تسجد له الملائكة.

يقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} فكان الموقف بمثابة حفل تكريم لسيدنا آدم، فإن قيل هل ينفع السجود لغير الله؟، نقول لهم إن السجود لله وحده، وسجود الملائكة لآدم لم يكن سجود عبادة ولكن سجود تكريم وتسخير، وشرط ذلك أن تجمع بين الدنيا والدين فتكون أكرم عند الله من كل ما خلق. وفي هذا الموقف لم يستجب إبليس لأمر الله فطرد من الجنة
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هـمسـه


هـمسـه


انثى
عدد الرسائل : 2936
العمر : 38
الدوله : قصص الأنبياء Male_e10
تاريخ التسجيل : 20/04/2008

قصص الأنبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الأنبياء   قصص الأنبياء Icon_minitimeالخميس 14 مايو - 11:05:18

مازلنا مع قصة آدم حيث توقفنا عندما رفض إبليس أن يسجد له، وسنعمل على الإجابة عن بعض الأسئلة التي تجعلنا نرى الصورة عن قرب، وأول هذه الأسئلة


هل إبليس من الجن أم من الملائكة؟

يقول الله تبارك وتعالى: {وإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبليس أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.. وإن كان ظاهر الآية يوحي بأن إبليس من الملائكة؛ لكن الحقيقة أن العلماء أجمعوا على أن إبليس من الجن، وهناك آية واضحة جدا في سورة الكهف تقول: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبليس كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ},.. وهي إشارة واضحة إلى أن إبليس كان من الجن، وليس من الملائكة، ولكن الذي حدث أن الجن كانوا موجودين على الأرض قبل خلق الله لآدم ففسدوا فسادا كبيرا، فأمر الله تبارك وتعالى الملائكة أن تزيح الجن عن الأرض إلى الجحور –كما ذكرنا سابقا- وكان من الجن من هو عابد طائع لا يفعل مثلما يفعل الآخرون، وكان منهم إبليس الذي كان لم يترك موضعا في السماء إلا وسجد لله فيه، ولكن كان هناك مشكلة في نفس إبليس لم يكن يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى وتركه لحكمة لا يعلمها إلا هو..

والسؤال الثاني، إذا كان إبليس من الجن فلماذا يؤمر أن يسجد مع الملائكة؟ وقد كان الأمر موجها للملائكة؟

نعم لقد كان الأمر موجها للملائكة ولكن نظرا لوجود إبليس بين الملائكة فترات طويلة أصبح الأمر الذي يأتي للملائكة يشمل إبليس أيضا، ودليل ذلك أنه عندما قال الله تعالى لإبليس: {قَالَ يَا إبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ}. لم يعترض أو يدافع عن نفسه من منطلق أن الأمر كان يخص الملائكة وحدهم؛ ولكنه أراد أن يبرر عدم طاعته للأمر بأنه خير من آدم، وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ ألا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ، قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.

والسؤال الثالث، أحيانا يسميه الله إبليس، وأحيانا يسميه شيطانا، فهل هو إبليس أم شيطان؟

اسمه الحقيقي إبليس قبل أن يعصي الله تبارك وتعالى ويرفض السجود لآدم، لكن كلمة شيطان هذه أصلها من شطط أي شديد البعد؛ فإبليس شديد البعد عن التوبة وعن طاعة الله، ومن شدة ابتعاده سُمِّي شيطانا. فالاسم إبليس والصفة شيطان.

فما الفرق إذن بين الشيطان والجن؟

الشياطين هم العصاة من الجن، فكل شيطان من الجن، لكن ليس كل جن شيطان..

ولماذا رفض إبليس السجود؟

يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف: {قَالَ مَا مَنَعَكَ ألاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، وقال تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} فالسبب هو الكِبر، فاستمع إلى الآية الأخرى: {قَالَ يَا إبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ}.. وهو سؤال من الله لإبليس الذي كانت إجابته: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.

وهذه الآية تدل على أن السبب الأساسي الذي منعه من السجود هو الكبر والغرور، وكانت هذه الصفة مشتركة بين إبليس وفرعون فالثاني قال كما جاء في القرآن الكريم: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}.

ونستفيد أن أول ذنب ارتكب في الوجود هو الكبر؛ فانظر ماذا قال الله تبارك وتعالى للمتكبر الأول وهو إبليس: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".

هل توقف إبليس عند رفضه السجود لآدم؟!

لا أبدا، بل بدأ في شن حرب على آدم فيقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبليس لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ، قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ، قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ، قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ، قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ، قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}....

وبذلك يكون إبليس قد طلب من الله أن يعطيه عمرا لا يساوي عمر آدم وحده ولكنه يساوي أعمار كل ذرية آدم، فقد اعتبر أن آدم وذريته أعداؤه إلى يوم القيامة، وكأنه يقول لله عز وجل سوف أجعلهم يكفرون بنعمتك وأنسيهم أنك أنت المنعم فيكفرون بها، فكان الكفر بالنعمة هو المدخل لمعصية الله عز وجل.

ويتحدث إبليس كذلك في سورة النساء فيقول: {وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا، وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا}، وقال {..يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إلا غُرُورًا، أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا}..وفي سورة الإسراء: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبليس قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا، قَالَ أَرَأَيْتَكَ هذا الَّذِي كرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إالى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلا قَلِيلًا}، وهنا نلاحظ أن كلمة {لَأَحْتَنِكَنّ} (تعني وضع اللجام في فم الإنسان).. ولهذا رد الله سبحانه وتعالى عليه قوله: {قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا، وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إلا غُرُورًا، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا}.


وكأن القرآن يصور معركة إبليس مع بني البشر والتي تبدأ بأن ينادي إبليس جنوده ويرسل إليهم السرايا ويقوم عليهم بالغزوات. يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إبليس ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إلا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}.. ولتصل في النهاية أن تسمع خطبة إبليس يوم القيامة والتي أوردها القرآن في سورة إبراهيم فيقول الله تبارك وتعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ، وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إلا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي، فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم، ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ، إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}..

فتخيل ندم وضيق من يسمع هذه الخطبة يوم القيامة.. هل صدقت الآن أن الشيطان عدوك، ولكن الله أعطاك جنودا أقوى بكثير من جنوده في معركة الدنيا فالله أعطاك أحد عشر جنديا وهم:

1. الاستعاذة.. {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

2. ذكر الله

3. المعوذتان؛ قل أعوذ برب الفلق.. وقل أعوذ برب الناس، وأذكار الصباح والمساء

4. آية الكرسي

5. سورة البقرة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان".

6. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قالها في يوم مائة مرة كانت له حرزا من الشيطان".

7. الوضوء، لأن الشيطان من نار ولا يطفئ النار إلا الماء.

8. غض البصر، لأنه من أكبر مداخل الشيطان إلى الشرور.

9. صحبة المؤمنين، لأن الشيطان يتملك من الشخص ويستولي عليه، وهو وحيد شريد بعيد عن الصحبة الطيبة.

10. الصلاة.

11.التوبة

والآن أسألك من الأقوى جنودك أم جنود الشيطان؟

الآن إبليس طرد من الجنة وترك آدم في الجنة وحيدا ثم خلقت حواء، ولكن قبل أن تخلق حواء استوحش فخلقت حواء من ضلعه وهو نائم فلما استيقظ رآها إلى جواره سألها من أنت؟

فقالت: امرأة

فقال: وما اسمك؟

فقالت: حواء

فقال: ولِم خلقتِ؟

فقالت: لتسكن إليّ

وقد قيل في سبب تسمية المرأة بحواء إن ذلك يرجع إلى أنها أم كل إنسان حي، وقيل لأنها خلقت من شيء حي وهو ضلع آدم، ومن الجدير بالذكر في هذا الشأن أن نذكر أنها خلقت منه وهو نائم حتى لا يشعر بألم خَلقِها فلا يتغير قلبه عليها لأن العاطفة فيه ليست الغالبة، عكس المرأة وهي تلد مثلا فكلما زاد الألم زاد الحب للجنين.

وكما أسلفنا هي تقول خلقت لك.. وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى: {ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

وهناك ملاحظة جميلة جدا تقول إن كلا من آدم وحواء خلق من الجزء الذي سيتعامل معه في الدنيا؛ فآدم خلق من تراب الأرض لأنه سيعيش حياته متعاملا مع الأرض مزارعا أو صانعا أو تاجرا، وحواء خلقت من الضلع بجوار القلب لأنها ستتعامل كأم وزوجة، وحواء خلقت من ضلع أعوج.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "... وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ أعوج، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ".

ومعنى الحديث أن حواء خلقت من الضلع الأيسر الذي يحمي القلب من الصدمات، ولكي يحمي القلب لابد من اعوجاجه.

تأمل هذ الآيات: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبليس أَبَى، فَقُلْنَا يَا آدم إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى، إِنَّ لَكَ ألا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى، فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدم هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى، فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ، وَعَصَى آدم رَبَّهُ فَغَوَى} وذلك لنعلم أن آدم وحواء لم يخلقا عرايا أبدا، وأن الإنسان لم يعرف العري منذ لحظته الأولى.

ونتوقف هنا لنكمل حديثنا عن خلق آدم -بإذن الله- لنتعرف على مشواره مع المعصية والتوبة.. وقصة قابيل وهابيل، وسنختتم قصة سيدنا آدم بالحديث عن موته
..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هـمسـه


هـمسـه


انثى
عدد الرسائل : 2936
العمر : 38
الدوله : قصص الأنبياء Male_e10
تاريخ التسجيل : 20/04/2008

قصص الأنبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الأنبياء   قصص الأنبياء Icon_minitimeالجمعة 15 مايو - 9:03:31

نستكمل في مقالنا هذا آخر حلقة في سلسلة حديثنا عن خلق آدم، محاولين الإجابة عن بعض الأسئلة التي تساعدنا على فهم القصة التي هي دليل كل بني آدم -إلى يوم القيامة- إلى فهم دوره في الحياة... ومن هذه الأسئلة:

من المسئول عن المعصية آدم أم حواء؟

كل الديانات السابقة قالت إن السيدة حواء هي التي زينت لآدم المعصية والأكل من الشجرة، أي أنها هي التي أغوت آدم وأخرجته من الجنة، ولكن الوحيد الذي لم يقل هذا الكلام هو القرآن فليست حواء هي التي أغوت آدم..

ولكن ما الدليل؟

الدليل في سورة الأعراف، الآية 19، ولكن سنلاحظ أمرا مهما جدا أن القرآن يوضح أنهما شريكان في المسئولية، وأنهما يتحملان الوزر سويا، وسندرك ذلك في صيغة المثنى التي استخدمها القرآن في الإشارة إلى ما فعلاه.. تقول الآيات: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هذه الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ، فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ، فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ، فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ، وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ، قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

إذن لا دليل على أن حواء هي التي أغوت آدم؛ بل إن هناك أدلة أخرى في سورة طه تؤكد أن آدم هو المسئول فتقول الآية: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى}.. ولكن انظر للآية التي تليها ستعود صيغة المثنى من جديد: {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ}.. في إشارة واضحة إلى أن آدم هو المسئول فعليا عن معصيته، عندما أكل من الشجرة المحرمة وليست حواء كما يقال، فهي تهمة ألصقت بحواء منذ فجر التاريخ وهي بريئة منها.

ولكن تعالوا نتعرف على كم مرة ذكرت تعرية آدم وأولاده، لقد ذكرت خمس مرات في ست آيات، الأولى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا}، الثانية: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ}، الثالثة: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلك خَيْرٌ، ذلك مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}، الرابعة: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}.. وسميت العورة "سوءة" لأن كشفها يسيء إلى بني آدم، ولأن كلمة عورة كلمة أقل رقة من سوءة، ولكن عليك أن تنتبه إلى أن رغبة إبليس في أن ينزع عنهما لباسهما لم تقتصر فقط على آدم وحواء، بل أراد أن يفعلها مع كل آدم وحواء من البشرية، ولكنه لم ينجح مع الجميع لأن هناك قلة استثناهم الله بقوله: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}..

فما هي إذن نتائج معصية آدم؟ ونقول إن نتائج المعصية كانت الآتي:

1. الفضيحة.

2. الخروج من الجنة.. {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ}.

3. التفريق بينه وبين حواء زمنا طويلا.

4. أن ناداه ربه باسم العاصي: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} طه121.

5. العتاب من الله عز وجل، وهو أشد هذه النتائج قسوة على آدم: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} الأعراف (22)

تخيلوا معي.. آدم الآن يريد أن يتوب فمشى يناجي ربه:

- يا ربي: ألم تخلقني بيديك

قال: بلى يا آدم

- ألم تنفخ فيَّ من روحك

قال: بلى يا آدم

- يا ربي ألم تُسجِد لي الملائكة

قال: بلى يا آدم

- يا ربي ألست من قلت لي يرحمك الله عندما عطست في الجنة

قال: بلى يا آدم

- يا ربي أليست رحمتك تسبق غضبك

قال: بلى يا آدم

- يا ربي أرأيت إن تبت أأنت مُرجِعي إلى الجنة

قال: بلى يا آدم

وهذا الحديث رواه الحاكم، فانظر إلى هذه الآية: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.. ستدرك أن آدم بعد معصيته لم يكن يعي ما ينبغي عليه فعله لكي يتوب الله عليه، فتلقى كلمات من ربه فقالها فتاب الله عليه، ولكن ما هي هذه الكلمات التي قالها آدم ليتوب الله عليه، ستجدونها في سورة الأعراف:

{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.. وظل سيدنا آدم يبكي بعد ما نزل إلى الأرض، يقول ابن القيم :لسان الحال أن الله يقول لآدم:
((يا آدم إنما ابتليتك بالذنب لأني أحب أن يظهر فيك فضلي عليك وجودي وكرمي بك، يا آدم لو لم تذنبوا لذهبت بكم ثم أتيت بقوم يذنبون فيستغفرون فأغفر لهم، يا آدم كنت تدخل علي دخول الملوك على الملوك قبل المعصية أما الآن فسوف تدخل عليّ دخول العبيد على الملوك وهذا أحب إلينا، يا آدم إذا عصمتك وعصمت بنيك من بعدك فعلى من أجود برحمتي، وعلى من أجود بعفوي، وعلى من أجود بمغفرتي، وعلى من أجود بتوبتي وأنا التواب الرحيم، يا آدم لا تجزع من قولي لك اخرج من الجنة فما خلقت الجنة إلا لك، ولكن اهبط إلى دار المجاهدة: الأرض وابذر فيها بذور التقوى حتى إذا اشتقت إليّ وأحببت العودة إليّ قبلتك وفتحت لك باب جنتي ورددتك إلى مقامك وجعلتك في جواري، يا آدم ذنب تذل به إلينا أحب إليّ من طاعة تمن بها علينا، يا آدم أنين المذنبين أحب إليّ من تسبيح المرائين)).

ولكن ما الفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس؟

الفرق هو التوبة؛ فإبليس أصر على فعلته فلم يندم ولم يبكِ أما سيدنا آدم فحرص على التوبة، ومعصية آدم تسمى معصية الجارحة.. أي أنها تعود لجارحة من جوارح الإنسان، أما معصية إبليس فتسمى معصية القلب.. ولذلك أخطر الذنوب الحسد والحقد والكبر لأنها من معاصي القلوب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"..

ويقال إن آدم نزل في الهند، وحواء نزلت في جدة ولذلك أهالي جدة يقولون إلى الآن إن جدة سميت بهذا الاسم نسبة إلى الجِدة ويقصدون حواء، ولكن الآية تقول: {اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} في إشارة إلى آدم وحواء وإبليس، فالتقيا بعد بحث طويل عند جبل يسمى الآن بجبل عرفات لأنهما تعارفا عليه.

وبدأ آدم وأولاده الزراعة وحياكة الملابس وصيد السمك، ولكن من أجل: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} أخذ آدم يصلح في أبنائه ويعلمهم ويعبد الله، وأوصى الله آدم بأن يبدأ في بناء البيت الحرام ويقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}.. وسميت بكة لكثرة البكاء في هذا المكان، ثم أمره أن يحج إلى البيت، ثم أمره أن يبني المسجد الأقصى.

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزمن بين بناء البيت الحرام والمسجد الأقصى قال: "أربعون عاماً"

ويشاء الله أن أبا البشر هو الذي يبني البيتين، وهما اللذان أسري بينهما بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج، وبعد ما نزل آدم إلى الأرض لم يفلح إبليس في أن يوقعه في معصية بعد ذلك، من أجل ذلك عندما توعد إبليس لم يستطع أن يتوعد آدم ولكنه قال: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هذا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} أما هو فلا.. وقيل إنه نزل على آدم 21 صحيفة، وعمّر آدم طويلا فعاش حتى بلغ 940 سنة أي ألف سنة إلا ستين عاما، ولكن لا يوجد أي حديث عن أعداد أولاد آدم عليه السلام؛ فكل الذي نعرفه أنه عندما اقترب أجله جمع أولاده وقال: "يا أولادي اشتقت إلى ثمار الجنة" وهذا ذكر في حديث صحيح..

وجاءته الملائكة وقبضوا روحه، وأرسلته الملائكة في حديث رواه الحاكم، وغسلته وكفنته ووضعوا عليه التراب، وقالوا: "يا بني آدم هذه سنتكم" ولكن لا نعرف أين دفن، ولكن الذي نعرفه هو أنه مات يوم جمعة كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه مسلم إن الله خلق آدم يوم الجمعة: "ذلك خير يوم طلعت فيه الشمس؛ فيه خلق آدم، وفيه أنزل من الجنة، وفيه مات وفيه تقوم الساعة".. وقيل إن حواء ظلت تبكي آدم طيلة سنة وماتت حزنا عليه..

ولكن يبقى أن أثناء رحلة الإسراء والمعراج قابل النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا آدم، ولم يكن يعرفه في البداية ولكنه رأى رجلا يجلس، ينظر عن يمينه فيرى جماعة من الناس فيضحك، وينظر عن يساره فيرى جماعة من الناس فيبكي، وعندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام عن هذا الرجل قال له: هذا أبوك آدم ينظر عن يمينه فيرى أبناءه الذين أطاعوا الله فيضحك لأنهم من أهل الجنة، وينظر عن شماله فيرى أبناءه الذين عصوا الله فيبكي لأنهم من أهل النار"..

ويقابل النبي صلى الله عليه وسلم آدم عليه السلام فيقول له: "مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح".


فاللهم أصلح أحوالنا وثبت يقيننا.. واشرح صدورنا ونور بصائرنا.. وتقبل منا واقبلنا يا أكرم الأكرمين
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
خالد عزيز الجاف





ذكر
عدد الرسائل : 424
الدوله : قصص الأنبياء Male_i14
تاريخ التسجيل : 22/02/2008

قصص الأنبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الأنبياء   قصص الأنبياء Icon_minitimeالثلاثاء 26 مايو - 10:23:52

ما شاء الله ولا حول ولا قوة الا بالله

جعلها وكتبها الله في ميزان حسناتك امين يا رب العالمين


ولا اله الا الله محمد رسول الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هـمسـه


هـمسـه


انثى
عدد الرسائل : 2936
العمر : 38
الدوله : قصص الأنبياء Male_e10
تاريخ التسجيل : 20/04/2008

قصص الأنبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الأنبياء   قصص الأنبياء Icon_minitimeالخميس 28 مايو - 10:27:45

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هـمسـه


هـمسـه


انثى
عدد الرسائل : 2936
العمر : 38
الدوله : قصص الأنبياء Male_e10
تاريخ التسجيل : 20/04/2008

قصص الأنبياء Empty
مُساهمةموضوع: قابيل وهابيل   قصص الأنبياء Icon_minitimeالسبت 6 يونيو - 8:49:36

قابيل وهابيل



قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} المائدة (27)

من المهم أن نعرف أن آدم وحواء كانا يولد لهما في كل بطن توءمان؛ ذكر وأنثى، وفي ذلك حكمة بالغة من أجل زيادة أعداد البشر، وسرعة تكاثرهم، والنمو السريع للبشرية، وقد أمر الله تبارك وتعالى آدم أن تكون شريعته أن الذكر والأنثى من البطن الواحدة لا يتزوجان، وإنما يتزوج الأنثى توءم الذكر الآخر.

وتبدأ أحداث القصة بأن وُلِد لآدم قابيل وله أخت، وولد هابيل وله أخت، وكان قابيل أكبر من هابيل، وكانت الأنثى توءم قابيل جميلة، ولكن الأنثى توءم هابيل فتاة عادية، والشرع يقول إن هابيل سيتزوج أخت قابيل الجميلة، وقابيل سيتزوج أخت هابيل الأقل جمالا، فأراد قابيل أن يستأثر بأخته، وأن يتزوجها هو ولا يعطيها لهابيل، ورغم أن آدم أمره أن يقبل شريعة الله، إلا أن قابيل أصر وظل مصرا على موقفه.

أمام هذا الإصرار طلب آدم من ولديه أن يقربا قربانا فأيهما يقدم قربانه وتأكله النار سيتزوج من الأخت الجميلة، فقدم قابيل حزمة من زرع رديء حيث كان مزارعا، أما هابيل -وكان راعي غنم- فقدم بقرة ثمينة من أفضل الماشية لديه، فأكلت النار قربان هابيل، ورفضت قربان قابيل، فقرر قابيل بعدها أن يقتل أخاه..{فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله}..

والحقيقة أن تفاصيل تلك القصة ليس لدينا عليها دليل واضح من القرآن، ولكن هذا هو ما ردده العلماء، وعلى أية حال فإن المغزى من القصة كبير وليس مجرد سرد لقصة عادية قتل فيها الأخ أخاه..

فإذا علمنا أن أول جريمة وقعت في الأرض هي القتل، فالملاحظة الأولى هي أننا نتساءل ما الذي أوصل الجريمة لهذا الشكل وهذه الصورة؟

يقول الغالبية: "إنها المرأة"، غير أننا نرى أنه على الرغم من أنها كامرأة جزء من الجريمة، إلا أنها ليست السبب الحقيقي لها، ولكن السبب الحقيقي هو "فتنة النساء"، ونهايتها كانت القتل.. وستجد الأمر الآن لا يختلف كثيرا عن أيام قابيل وهابيل؛ فنحن نجد أن أكبر فتنة تواجه الرجال هي فتنة النساء، وكذلك بالنسبة للنساء فأكبر فتنة لديهن هي فتنة الرجال. يقول الله تبارك وتعالى:

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذلك مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} آل عمران (14)، ولكنه يقول تبارك استكمالا للآية السابقة: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذلكم لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} آل عمران (15)، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: "ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء".. رواه البخاري، ويقول:"إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر ماذا تفعلون.. فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"..


الملاحظة الثانية حول القصة هي السؤال عن الجاني في قضية قتل قابيل لأخيه هابيل! هل الذي قتل هابيل هو قابيل أم أخته؟

ونحن نثير هذه النقطة لأن هناك الكثير عن هذا الموضوع في الإسرائيليات، التي تقول إن السبب في قتل قابيل لهابيل هي أخت قابيل، ولكن الحقيقة أن أخت قابيل غير مسئولة بدليل أن الذي ذهب لقتل هابيل هو قابيل بمفرده، وليس قابيل ومعه أخته، ولكن متى تصبح المرأة مسئولة؟ عندما تحرك بواعث الجريمة في نفس الرجل، سواء بالتحريض المباشر أو بالوسائل غير المباشرة..

نعود للآيات السابقة التي بدأنا بها الحلقة: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ، قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، وستلاحظ أن هذه الآية تبدأ بـ حرف الـ"و".. أي أن ما يليها مرتبط ارتباطا وثيقا بما سبق هذه الآية، وستجد أن السابق عليها آيات تتحدث عن سيدنا موسى وبني إسرائيل، تقول الآيات:

{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ، قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}..

فلماذا تربط الآيات بينهما؟

لأن بني إسرائيل كما تقول الآيات ركنوا إلى الجُبن خوفا من تنفيذ أمر الله بالقتال مع سيدنا موسى، وها هو قابيل يقتل هابيل، فالله وضع القصتين متتابعتين من أجل أن يعرفنا أن الجبن والتهور هما السبب الذي أدى بقابيل إلى قتل أخيه، وكأن القرآن يقول إنكم مطالبون بالشجاعة لا التهور، والنقطة الثانية، انظر للآية (25): {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.. فها هو نموذج للأخوة المترابطة بالله بين موسى وهارون، وها هو نموذج آخر لأخوين قتل أحدهما الآخر متمثلا في قابيل وهابيل، وكأن الله أراد أن يعلمنا نصيحة لكل أخوين بضرورة حفاظ الأخ على أخيه لأنه جزء منه.. وألا يفرط فيه بعرض زائل من متاع الدنيا.

وبذلك تضاف معصية الحسد إلى كل المعاصي التي حدثت منذ خلق آدم، كمعصية الكبر من الشيطان وفتنة النساء التي وقع فيها قابيل، ولهذا نرى أن الحسد والحقد هما السببان الرئيسيان اللذان دفعا قابيل إلى قتل أخيه..

تكمل لنا الآيات سرد باقي القصة بعد أن تقبل الله القربان من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، وإعلان قابيل أنه سيقتل هابيل، تقول الآيات على لسان هابيل: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} المائدة (28)، العجيب في هذا أن هابيل كان أكثر قوة وفتوة من قابيل، ورغم أنه من حقه المشروع أن يدافع عن حياته التي يهددها أخوه، إلا أنه حين هدده أخوه بالقتل أجابه بما ورد في الآيات السابقة، ولم تمتد يده بسوء لقاتله لأنه أخوه، ورأى أن عليه أن يراعي صلة الأرحام التي تجمع بينهما؛ ففضل الموت على أن يدافع عن نفسه أمام أخيه.. تقول الآيات عن قابيل: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} المائدة (30).

ربما نجد من يسأل عن الكيفية التي قتل بها قابيل أخاه! والحقيقة أننا نسأله هو، وما جدوى السؤال، وما جدوى معرفة الإجابة عن كيفية القتل؟ بينما المهم في الموضوع هو حدث القتل نفسه، وأسبابه ودوافعه وظروفه والعبر المستخلصة منه، حيث إن هذا الحادث يعد أول جريمة في تاريخ البشرية، وهي القتل، وعرفنا أنه قتله بدافع من الحقد والحسد.

لقد ركز النص القرآني على الجريمة وعلى عقوبة الجريمة ونتائجها، ولم يركز على أسلوب تنفيذ الجريمة، وربما نتعلم من ذلك أنه أحيانا يكون سرد طريقة ارتكاب الجريمة وسيلة للتشجيع على ارتكاب جريمة أخرى.

ولكن السؤال الجدير بالإجابة عليه هو، لماذا ربطت القصة بين فتنة النساء والقتل؟

والإجابة الواضحة هي، لأن هذه الجريمة ولنفس السبب شيء سيتكرر بعد ذلك كل يوم، منذ مقتل هابيل وإلى الآن.. وإلى غد حتى تنتهي الحياة البشرية.

نستكمل مع آيات القرآن باقي تفاصيل القصة، فبعد أن قتل قابيل أخاه تركه ملقى، حتى رأى مشهدا أمامه جعله يبكي ندما ويشعر بالخزي أمام فعلته، يقول تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ، قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}.

والغراب هنا جندي من جنود الله، ولكن لماذا اختار الله الغراب لهذه المهمة؟

لأن الغراب لونه أسود وشكله قبيح بما يتناسب مع لون وشكل الجريمة، والغراب يتناسب مع غرابة الفعلة التي قام بها قابيل، ويكمل الصورة القاتمة التي سادت حادث مقتل الأخ لأخيه، فإذا كان الغراب بهذه الأوصاف وجاء ليريه كيف يدفن أخاه القتيل، فكيف حال القاتل؟ لقد شعر قابيل أنه أجبن وأضعف من الغراب، فما كان منه نتيجة لضعفه وقلة حيلته إلا أن قال: {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي}.. وقد ذكر القرآن كلمة "سَوْءَةَ" ولم يقل "جثة" –مثلا- حتى يبين لنا ما كان في هذه الجريمة من غياب للعقل بعد أن سيطر عليه الحقد والحسد.. والله يكمل الآية بقوله: {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}..

وهنا يبرز سؤال مهم جدا، لماذا لم يتب الله عليه؟

لأنه لم يندم ندم توبة؛ بل ندم عجز نتيجة إحساسه بفداحة ما فعله وعجزه حتى على أن يواري جثة أخيه..
ولذلك يقول الله تبارك وتعالى: {مِنْ أَجْلِ ذلك كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}..

أما سؤالنا الأخير فهو، لماذا اختار الله بني إسرائيل ولم يقل البشر كلهم؟

لأن بني إسرائيل أكثر من يحركهم صفة الحسد من البشر، وتلك التي بدأ الله بها قصة الأخوين، وفتنة النساء، فاختصهم الله لأنهم أكثر البشر الذين يعانون من الحسد، وأكثر الناس تحريكا لفتنة النساء واستغلالها..

مات هابيل وهرب قابيل ولكن إلى أين.. هذا ما سنعرفه وسنعرف فيها أيضا من هو أول نبي بعد سيدنا آدم عليه السلام..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هـمسـه


هـمسـه


انثى
عدد الرسائل : 2936
العمر : 38
الدوله : قصص الأنبياء Male_e10
تاريخ التسجيل : 20/04/2008

قصص الأنبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص الأنبياء   قصص الأنبياء Icon_minitimeالسبت 6 يونيو - 8:55:12

نبي الله إدريس


بعد قتل قابيل لأخيه هابيل فرَّ هاربا، ولكن ليس لدينا حديث ولا آية تحدثنا عن مصير قابيل إلا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما من إنسان يُقتَل ظلما إلى يوم القيامة إلا كان على ابن آدم الأول كِفل من دمه".. أي أن كل إنسان يُقتل يذهب جزء من دمه على قابيل إلى يوم القيامة، لأنه كان أول من سَن القتل، وهذا يكفيك لتعرف مصير قابيل في الدنيا والآخرة.

بعد موت قابيل رزق آدم بابن سماه شيث -أي هبة الله- وعلَّمه آدم من علوم الدنيا والآخرة..

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل مائة صحيفة، وأربع صحف أنزل منها على شيث وحده خمسين صحيفة".. ولكن ذكره لم يرد في القرآن ولم نعرف لماذا أنزل الله عليه خمسين صحيفة.

لقد كانت البشرية في مهدها، وكانت بحاجة إلى الشرائع السماوية الكثيرة والمتتابعة لكي تنظم حياة البشر فنزل عليه الكثير من الكتب، وكلما انتظمت الحياة قلَّ الكم الكبير من الكتب السماوية والشرائع، فالأرض كانت لا تصلح أن تسير بدون الشرائع السماوية، ومن هنا يبرز بجلاء ذلك المعنى المهم وهو أننا محتاجون للتعلق بشرائع الله..

ثم يأتي النبي إدريس عليه السلام وهو أول رسول بعد آدم عليه السلام وبينه وبين آدم 6 جدود، فهو الجيل السادس بعد سيدنا آدم، ويقال إنه ولد في حياة آدم لأن سيدنا آدم عاش تسعمائة وأربعين عاما، ولكن لا يوجد دليل واضح من قرآن أو سنة، إلا أن هذا القول يشير إلى أن آدم لحق من حياة إدريس مائة وعشرين عاما.

وقد سُمِّي نبي الله إدريس بهذا الاسم لكثرة تدارسه للعلم والكتب، وكان يقصد بها الكتب التي أنزلت على آدم وعلى شيث..

يقول النبي:"إن الله أنزل مائة صحيفة وأربع صحف، أنزل منها على آدم عشرة صحف، وعلى شيث خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وأنزل الزبور والتوراة والإنجيل والفرقان".. وكأن الصحف مقسمة على هؤلاء الأنبياء فقط، ولكن السؤال هو:

ما الذي بقي من هذه الكتب؟

القرآن.. فهو الصحيفة الوحيدة التي مازالت موجودة ومُنزَّلة من السماء والوحيد الذي حُفِظ من كل الصحف التي أنزلت..

ويقال عن إدريس إنه أول من خط بالقلم، ونلاحظ أن كلمة علم وردت في القرآن 80 مرة، أما مشتقات الكلمة نفسها فقد وردت مئات المرات، ذلك لنعلم أن الدين والعلم لا تعارض بينهما؛ فترى إدريس كان نبيا، وكان أول من خط بالقلم، وكان مشغولا بالعلم..

ويقال عن إدريس أيضا إنه ولد بمصر، ويقال إنه بعث إلى المصريين القدماء، والدليل على ذلك نجده في بعض الحفريات لقدماء المصريين التي أثبتت أن هناك نبيا في أول الزمان خرج من مصر، وأنه بعث للمصريين، وأنه رفع للسماء.

وسيدنا إدريس لم يرد ذكره في القرآن إلا في سورة مريم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا، ورَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}.. والمكان العلي المقصود به هو السماء الرابعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يوم عرج به إلى السماء صعد إلى السماء الرابعة فوجد رجلا يجلس بها فقال: "من هذا يا جبريل؟" قال: "هذا إدريس" فقال إدريس: "مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح".. "وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا".. لا ندري كيف رُفِع ولكنه أول من رُفِع، وكأن الله يريد أن يقول لأهل العلم الذين اجتازوا الأرض وصولا للكواكب في السماء تقدموا كما تريدون، ولكن لا تعتقدوا أنكم ستعجزوننا؛ فأول من صعد إلى السماء هو إدريس عليه السلام ثم سيدنا عيسى عليه السلام ثم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصص الأنبياء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتديات الاسلاميه :: أسلاميات-
انتقل الى: