2-
الإمام الشافعي
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس. ولد في غزة عام 150هـ لأسرة فلسطينية فقيرة، توفي أبوه وهو صغير، فانتقلت به أمه إلى مكة المكرمة، ليعيش مع أهله هناك حيث ينحدر من سلالة قرشية يتصل نسبها بالرسول صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف. قاسى الشافعي من الحرمان، فكان يجمع الخزف (الفخار) وقطع الجلود وسعف النخيل والعظام ليكتب عليها، ويذهب إلى الدواوين ويستوهب أهلها أوراقاً يكتب عليها.. وكان ذا حافظة قوية، حتى قيل أنه حفظ كتاب الموطأ للإمام مالك في تسعة أيام، كما كان يحفظ القرآن الكريم كله، إذ حفظه أولاً في الصغر، وكان يجيد اللغة العربية إجادة تامة، إذ رحل إلى قبيلة هذيل مدة من الزمن، تعلم من كلامها الفصيح، الذي كان أفصح لغات العرب في ذلك الوقت، وحفظ أشعار قبيلة هذيل حتى قال فيه الأصمعي: إنه صحح أشعارها.
أذن له بالإفتاء في مكة عندما كان شاباً لا يتجاوز العشرين لكنه آثر الهجرة في طلب العلم، فانتقل إلى المدينة المنورة وتلقى العلم على يدي الإمام مالك؛ الذي رحب به وقربه من مجلسه، بعد أن اختبره. وقال له يوماً: يا بني، إن الله تعالى قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بالمعصية.
على العكس من مالك، فقد كان الشافعي يكره الشهرة، ويلبس الثياب البسيطة، مع مقدرته على لبس الثمين منها، وكان يلبس خاتماً في يده اليسرى كتب عليه: "كفى بالله ثقة لمحمد بن إدريس".
وكان كريماً سخياً، فقد جاء إلى مكة قادماً من صنعاء وفي يده أكثر من عشرة آلاف دينار، وزعها جميعها بين الفقراء، قبل أن يغادر مكانه، وعندما كانت تأتيه الهدايا الثمينة من الملابس خلال إقامته في مصر، كان يقسمها بين الناس، غير عابئ بقيمتها، فما يستر الجسد فهو لباس.
كان متواضعاً يعرف قيمة النقاش ومعناه، فما أسهل أن يتنازل عن رأيه، إذا تبين أن هنالك رأياً أصوب منه، وكان يقول: وددت إذا ناظرت أحداً أن يظهرالله الحق على يديه، ووددت أن الخلق تعلموا هذا العلم حتى لا ينسب إليّ منه حرف واحد، ووددت أن كل علم يعلمه الناس أؤجر عليه ولا يحمدوني قط، فما ناظرت أحداً على الغلبة قط.
عرف عنه حضور البديهة، مع الدقة في الإجابة، فقد سأله رجل ذات يوم، كيف أصبحت؟ فتأمله الشافعي ملياً ثم قال: كيف يصبح من يطلبه ثمانية: الله تعالى بالقرآن، والرسول بالسنة، والحفظة بما ينطق، والشيطان بالمعاصي، والدهر بصروفه، والنفس بشهواتها، والعيال بالقوت، وملك الموت بقبض روحه؟
وسأله آخر في مرضه الذي مات فيه السؤال نفسه كيف أصبحت؟ فرد قائلاً: أصبحت عن الدنيا راحلاً، وللأخوان مفارقاً، ولكأس المنية شارباً، وعلى الله جل شأنه وارداً، ولا والله ما أدري، هل تصير روحي إلى الجنة، فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها. ثم بكى وأنشأ يقول:
فلما قسـى قلبـي وضاقت مذاهبي جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعـاظمـني ذنبـي فلـما قـرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفوٍ عن الذنب لم تزل تجـود وتعـفو منـّةً وتكرّما
ومات غروب يوم الخميس في آخر ليلة من شعبان سنة 204هـ عن أربعة وخمسين عاماً.
جمع الشافعي بين فقه أهل العقل والرأي، وفقه أهل النقل والحديث، وقد جعل السنة في منزلة القرآن، لأنها مبينة له ومفسرة،ويقول: "هل لأحد مع رسول الله حجة"؟ وكان يأخذ بالإجماع وبعده حجة بعد القرآن والحديث. ولكن بقيود وشروط، حتى لا ينتقل أمره إلى دعوى أو فوضى. وكان يكره الابتداع في الدين، ومن هنا جاء كرهه لعلم الكلام ودعاته وقال: إنهم يستحقون التشهير والضرب، لأنهم تركوا الكتاب والسنة.
ومن أقواله المشهورة، أنه لا يجوز لأي إنسان أن يقول برأيه في الشريعة، إلا إذا كان أساس هذا الرأي معتمداً على القياس- وهو الحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر منصوص على حكمه لاشتراكهما في علة الحكم- وكان لا يقبل بالاستحسان، ويقول: من استحسن فقد شرع، ولم يجز كتابة عقد الزواج بغير اللغة العربية للقادر على التكلم بها، وأوجب على كل من يتعرض لتفسير القرآن الكريم أن يكون حجة في اللغة العربية، لأن القرآن تنـزّل بهذه اللغة.
وكان يرى أن الخلافة تكون في قريش، وتكون بالبيعة، إلا إذا دعت الضرورة فتقوم بغير البيعة، فإن غلب أحد الناس بالقوة، واجتمعت عليه كلمة الأمة جازت إمامته.
رفض الشافعي مثل سابقيه قبول القضاء عندما عرض المأمون عليه أمره، وكان هذا هو سبب هجرته من العراق إلى مصر، خوفاً على نفسه من بطش الخليفة لرفضه القضاء.
ومعروف عن الشافعي أنه أفتى في مصر في موضوعات كان قد أفتى فيها بالعراق ولكن بفتوى مختلفة، وعندما سئل عن ذلك أجاب، لقد تغير الزمان، وتغير المكان، وتغيرت أحوال الناس، كما تغير علم الشافعي، فازداد علماً وخبرة.
ومن أقواله:
· العلم أفضل من صلاة النافلة.
· من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم.
· من لم تعزه التقوى فلا عزّ له.
· لو علمت أن شرب الماء يثلم مروءتي ما شربته.
· الشفاعات زكاة المروءات.
وكان الشافعي شاعراً لا يتحرج أن يرد على سؤال يوجه إليه شعراً أن يردّ بمثله، فقد كتب إليه أحد السائلين رقعة جاء فيها:
سل المفتي المكيّ: هل من تزاور وضمة مشتاق الفؤاد جُناح
فكتب الشافعي تحت البيت السابق:
أقول معاذ الله أن يذهب التقى تـلاصق أكـباد بهن جراح
وكتب إليه آخر يسأله:
سل المفتي المكيّ من آل هاشم إذا اشتد وجد امرئ كيف يصنع؟
فكتب الشافعي:
يداوي هواه ثم يكتم وجده ويصبر في كل الأمور ويخشع
فكتب الرجل:
فكيف يداوي والهوى قاتل الفتى وفي كل يوم غصة يتجرع
فردّ الشافعي:
فإن هو لم يصبر على ما أصابه فليس له شيء سوى الموت أنفع
وقد كتب الشافعي في امرأة أحبها وتعرض عنه، وهي زوجته:
ومن البلية أن تحب ولا يحبك من تحبه
ويصد عنك بوجهه وتلح أنت فلا تغبه
هكذا كان الشافعي، رجلاً سمحاً عربياً مسلماً، ودوداً، وقد رأى في منامه أن واحداً من أحب تلاميذه إليه يبتلى في دينه وطلب إليه أن يصبر، فكان التلميذ يتذكر هذه الوصية ويحتسب صبره عند الله، إنه أحمد بن حنبل.
أحمد بن حنبل:
هو أبو عبد الله أحمد بن محمد، يلتقي نسبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في نزار بن معد بن عدنان، عاش يتيماً في كفالة أمه منذ الصغر، فعانى من الفقر وشظف العيش ما ظل يرافقه طيلة حياته، فكان يلتقط بقايا الحبوب من الحقول بعد حصادها، بعد أن يستأذن أصحابها مخافة الحرام، وكان يكتب بالأجرة، واشتغل في الثياب، ينسجها ويبيعها، حتى يحصل على قوت يومه، واضطرته الظروف القاسية أن يشتغل حمالاً يؤجر نفسه، ومع هذا قد كان أكثر الناس حرصاً على المال الحلال.
حج خمس مرات، منها ثلاث حجات مشياً على الأقدام، وكانت نفقته في رحلتي الذهاب والإياب في إحدى المرات لا تزيد على ثلاثين درهماً، وكان ينام في بيت وتحت رأسه لبنة، وعندما سافر إلى اليمن طلباً للعلم، ولم يبق معه مال اشتغل مع الحمالين، ورفض أن يأخذ عطية من أحد.
مثل هذه الحياة القاسية انعكس أثرها في سلوكه بشكل عام، فكان رجلاً واقعياً يعنى بالحقيقة العلمية، ويتتبعها ويتقيد بها، ولهذا كان يكره التزيد والتبديل في الرواية، ويقول: إن كتّاب السير والأخبار قد أدخلوا الكثير من المفتريات والإسرائيليات فيها، ولهذا يجب تمحيص هذه الأخبار والسير، وعدم قبولها على علاتها.
ومع هذه الواقعية، وهذه النظرة الثاقبة إلى الأمور، كان يأخذ بالحديث الضعيف، ولكن إذا لم يجد غيره، وبشرط ألا يعارض قاعدة من قواعد الدين، أما إذا كان الحديث يتعلق بالحلال والحرام فإنه يتشدد في التمحيص والبحث، وهو القائل: إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا في فضائل الأخلاق وفيما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا.. وكان إذا قال عن شيء (لا يعجبني) أو (أكرهه) فيعني تحريمه، وهذا ملحوظ في فتاواه... وعلى العكس من أبي حنيفة فقد تشدد ابن حنبل في موضوع الطهارة من النجاسة فقال بأن نجاسة الكلب يجب أن تغسل ثماني مرات بالماء، بينما ترى المذاهب الأخرى غسل النجاسات سبع مرات، ولم يجز استخدام الموائع من السوائل في إزالة النجاسات كما هي الحال عند أبي حنيفة، ويوجب غسل اليدين عند القيام من النوم، مع أن هذا الغسل سنة في المذاهب الأخرى ويوجب المضمضة والاستنشاق في الوضوء، مع أنهما في بقية المذاهب سنة، ويوجب الوضوء عند أكل لحم الإبل مع أن بقية المذاهب لا توجب.
ومن آرائه التي أفتى بها قوله:
· إذا أوقف شخص ما أرضاً على الفقراء والمساكين فلا يجب في محصولها العشر ولا زكاة عليها؛ لأنها كله زكاة.
· يرى أن القرابة كلها توجب النفقة، فكل من يرث الفقير العاجز عن الكسب تجب عليه النفقة في حالة عجز الفقير، والميراث يشمل القرابة الدانية والبعيدة فيشمل العصبات والأصول والفروع وأصحاب الفروض وذوي الأرحام بينما يقول الشافعي بأن القرابة التي توجب النفقة هي قرابة الأصول كالآباء والأمهات والأجداد والجدات، وقرابة الفروع كالأولاد والحفدة. وأبو حنيفة يرى أن القرابة الموجبة للنفقة هي القرابة المحرمية التي يحرم الزواج بين طرفيها، فيدخل فيها الأعمام والأخوال والعمات والخالات.
· لم يقبل مالاً ولا عطايا ولا هبات من خليفة على العكس من مالك.
· لم يكن يقبل المزاح في الدرس، ولا يفتي إلا إذا سُئل، ولا يفتي إلا فيما يقع، ولا يتحدث في الأمور الفرضية، ولا يفتي بالرأي، إلا في أضيق الحدود، وكان يقتدي بمالك في قول لا أدري.
· اعتمد ابن حنبل على التدوين والكتابة، ولم يعتمد على الذاكرة وكان يوصي تلاميذه ألا يحدثوا الناس إلا من الكتاب، ويقول: أنا مع المحبرة حتى المقبرة.
· لم يقبل الجلوس للتدريس إلا في سن الأربعين، سن النبوة.
· تشدد أتباعه من بعده تشدداً كثيراً مع الناس فهاجموا المحلات المشبوهة، وكسروا أدوات الغناء، واعتدوا على المغنين والمغنيات بالضرب والإهانة، وأوقفوا النساء والرجال في الطرقات إن كانوا يسيرون معاً وسألوهم عما يربط بينهم، فأساءوا إلى المذهب وصاحبه.
أحمد بن حنبل والمحنة
تعرض أحمد بن حنبل للحبس والضرب والمنع من الجلوس في المجلس بسبب موقفه من مسألة خلق القرآن التي تبنتها الدولة العباسية زمن المأمون، وعندما سئل ابن حنبل عن رأيه في هذه المسألة، اكتفى بالقول: "إنه كلام الله" ولم يزد عن هذه الإجابة حرفاً، وقد استمر يعاني مدة أربعة عشر عاماً، إلى أن تولى المتوكل الخلافة فأنهى الفتنة وأعاد الاعتبار للإمام ابن حنبل، وعرض عليه المال، ولكنه كان يرفض باستمرا.
لقد اكتسب الإمام ابن حنبل تقدير الناس بسبب هذا الموقف فذاع صيته في الآفاق، وكانت سبباً في إشهار مذهبه، لأن موقفه لم يكن مجرد خلاف فقهي، ولكنه رمز لإرادة العالم الذي لا يخضع لإرادة الحاكم، ويحتمل الأذى ويصبر، لأنه كان يعتقد أن العلماء يسألون كما يسأل الأنبياء.
من أقواله:
· الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، فمن لم يعمل هنا ندم هناك.
· إذا سكت العالم تقية، والجاهل يجهل، فمتى يظهر الحق؟
· طوبى لمن أخمل الله تعالى ذكره.
شروط ابن حنبل في المفتي
1. أن يكون عالماً بوجوه القرآن جميعها، وكذلك بالسنن المطهرة والأسانيد الصحيحة.
2. أن يكون عالماً بأحوال الناس وعلى دراية بأساليب التعامل معهم، كلٌّ حسب قدره.
3. أن يكون كفياً، تتوافر فيه الكفاية وإلا صار للناس مضغة.
4. أن يكون شجاعاً في الحق، صابراً محتسباً على ما يقع له بسبب موقفه.
5. أن يكون عليماً حليماً وقوراً لا يغضب بسرعة ولا يتكلم كذلك.
6. أن تكون نيته خالصة لوجه الله، وإلا فلا نور له ولا لكلامه.
لقد ظلم ابن حنبل كثيراً، كما ظلم مذهبه؛ إذ وصفه الناس بالتشدد، مع أنه كان متساهلاً في قضايا متعددة أكثر من غيره من المذاهب... فقد سافر مرة من بغداد إلى الشام ليستمع إلى محدّث مشهور، فلما وصل بيته، وجده يطعم كلباً، فجلس ينتظر، والمحدّث مستمر في إطعام الكلب، حتى طال زمن المكوث على أحمد بن حنبل، فغضب وأصابه الملل وضاق بفعل المحدّث، لكنه لم يُظهر غضبه، إلى أن انتهى المحدّث من إطعام الكلب، ونظر إلى ابن حنبل قائلاً: لعلك قد غضبت عليّ في نفسك؟ قال ابن حنبل: نعم. قال المحدّث: إنه ليس بأرضنا هذه كلاب، وقد قصدني هذا الكلب ورجاني أن أطعمه وأسقيه، فعلمت أنه جائع وظمآن، فأطعمته وسقيته، وأجبت رجاءه، لأني سمعت من أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قطع رجاء من ارتجاه قطع الله رجاءه يوم القيامة" فانبسطت أسارير ابن حبنل وقال: جزاك الله خيراً يكفيني هذا الحديث.
هذا هو أحمد ابن حنبل، رجل المبدأ والعقيدة، الذي وفى بما عاهد عليه الله، وقليل من الناس من يفعل ذلك.
مسائل فقهيّة خلافية
التّيمّم:
اختلف الفقهاء في كيفية أدائه، فمنهم من قال بوجوب مسح الوجه والكفين بالتراب مرة واحدة، وهو رأي أتباع أحمد بن حنبل وجماعته ومن تبعوهم من الظاهريّة، ودليلهم حديث عمار بن ياسر الموجود في صحيح البخاري ومسلم.
ومنهم من قال بوجوب مسح الوجه واليدين إلى المرفقين بالتراب مرتين ومرة للوجه وهو رأي أتباع أبي حنيفة ومالك والشافعي وحجتهم في ذلك حديث نافع عن عبد الله بن عمر الموجود في مستدرك الحاكم.
والراجح هو قول الحنابلة لصحة الحديثين المرويين في البخاري ومسلم.
وجوب الحج:
اختلف الفقهاء في تفسير الآية الكريمة { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} آل عمران (97) هل يكون أداؤه على الفور أم على التراخي وهو قول الشافعية والأوزاعي وسفيان الثوري ومحمد بن الحسن، مستدلين على صحة قولهم بأن هذه الآية نزلت في السنة الثالثة للهجرة في المدينة المنورة ولم يقم الرسول صلى الله عليه وسلم بأداء الحج حتى السنة العاشرة من الهجرة مع أنه فتح (مكة) في السنة الثامنة للهجرة، وكلّف أبا بكر أن يحج في السنة التاسعة مع قدرته على الأداء في هذين العامين (الثامن والتاسع).
وذهب الفريق الثاني بوجوب الحج على الفور وهو قول أتباع أبي حنيفة وابن حنبل والظاهرية والمتأخرين من أتباع مالك والشافعي، ودليلهم على ذلك أن نزول فرض الحج كان متأخراً في السنة التاسعة أو العاشرة، بدليل أن صدر السورة نزل عام الوفود، عندما قدم وفد نصارى نجران على الرسول صلى الله عليه وسلم فصالحهم على أداء الجزية في عام غزوة تبوك، وفي هذا العام فسّر النبي معنى الآية بقوله: " من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً" كما رواه الإمام الترمذي، أما لماذا لم يحج الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا العام (التاسع) فلأن المشركين كانوا يحجون البيت ويطوفون حول الكعبة عراة، إلى أن نزلت الآيات الكريمة من سورة التوبة، والتي تنهى المشركين عن الاقتراب من البيت الحرام، والتي نادى بها أبو بكر في الناس في تلك السنة، فلما علمها الناس، صار الحج مناسباً للرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فحج في العام العاشر مباشرة.
أما الرأي الراجح فوجوب أداء هذه الفريضة على الفور إذا تحقق شرطا الاستطاعة وهما المال والصّحّة؛ وذلك لأن الإنسان لا يعلم الغيب، ولا يدري متى يموت والعبادات لا تؤجل، لأنه إن مات وهو مستطيع مات عاصياً.
أطول مدة للحمل:
اختلف الفقهاء في المدة القصوى للحمل، فمنهم من رفعها إلى سبع سنين، ومنهم إلى خمس، وأربع وثلاث، ومنهم من خفضها إلى سنتين، ومنهم من قصرها على تسعة أشهر وهم الظاهرية.
أما أصحاب الآراء الأربعة الأولى فاستدلوا على صحة آرائهم بأقوال منقولة عن نساء سمعوا منهن، وبحديث منسوب إلى السيدة عائشة رضي الله عنها "لا يبقى الولد في رحم أمه أكثر من سنتين" ويقولون أن السيدة عائشة لا تقول بهذا الحديث من نفسها، إلا أن تكون قد سمعته من الرسول صلى اله عليه وسلم.
واستدل ابن حزم على صحة رأيه، بأن الجنين لا يمكن أن يبقى في رحم أمه أكثر من تسعة أشهر، ولا أقل من ستة، بقول الله سبحانه وتعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} البقرة (233) وقوله تعالى: { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} الأحقاف (15) فمن ادعى أن الحمل والفصال يزيد عن ثلاثين شهراً فقد خالف القرآن، وردّ كلام الله سبحانه.
أما القول الراجح فهو القول الثاني وهو ما يقوله الطب، حيث لا يزيد عن تسعة أشهرأو (280) يوماً، وقد يزيد عن ذلك في حالات غير طبيعية بحيث يصل الحمل إلى عشرة أشهر إذا أصاب المشيمة التي تغذي الجنين شيخوخة في الشهر التاسع، حيث تقل نسبة الأكسجين والغذاء المارين من المشيمة إلى الجنين فيموت، ولهذا يقوم الأطباء بتوليد المرأة بطرق صناعية إذا تجاوزت الشهر التاسع بأسبوع أو أسبوعين.
يتبع باذن الله