في العهد العباسي أكرم هرون الرشيد البرامكة العجم إكراماً يفوق الوصف، حتى أن أحد حكماء البرامكة، (يحي البرمكي) شاهد مرة هارون الرشيد يدع جعفر البرمكي يصعد على ظهره ليتناول تفاحة من شجرة لم تطالها يده، فأوجس خفية ، لأنه كان يعلم الطموح الذي لا حدود له عند البرامكة، وهو واحد منهم، فطلب من هرون الذي لم يكن يرد له طلباً، أن يستثنيه من البرامكة خيرهم وشرهم، فدهش هرون لهذا الطلب فأجابه إياه وكان يناديه يا عماه. وبالفعل يوم حلت نهاية البرامكة لم يتوارى يحي البرمكي عن الأنظار، فلما حضر جند العباسيون، أظهر لهم عهد الأمان الذي كان قد حصل عليه من الخليفة. فيحي البرمكي أدرك أن هذا الطموح وهذه الثقة العباسية سيعقبها غضب شديد إن بان وظهر غدر وطمع البرامكة وهكذا كان ! والفرس من جهتهم حاولوا الإساءة بكل الوسائل لهارون الرشيد، فابتدعوا قصة أخته العباسة وزواجها المزعوم من جعفر البرمكي، وأشاعوا عنه قصص المجون وهو الذي كان يصلي مئة ركعة نوافل، ويغو عاماً ويحج عاماً. وعلى يديه وفي عصره بلغت الدولة العربية الإسلامية أوج مجدها.
وإذا ضربنا صفحاً عن أفاعيل البويهيين، لكن خيانة ابن العلقمي لا تنسى، وهو المؤتمن، حافظ العهد، الوزير المشارك في المسؤولية، يخاطب المغول سراً على طريقة أكثر الجواسيس انحطاطا، فيجلب أحد عبيده ويحلق له شعر رأسه ويكتب رسالة لهولاكو، يم يدع الشعر ينمو فيرسل الغلام في تلك المهمة، ويقتل هولاكو الغلام. هكذا تبادل ابن العلقمي الرسائل وهكذا سلم عاصمة الخلافة والإسلام.
ولكن خيانة الطوسي كانت أكثر مرارة، فالرجل يدعي العلم ويجاهر دون ورع بخيانته الإسلام، ومع من ؟ مع وثنيين غزوا عاصمة الخلافة وحاضرة المسلمين، ترى هل كان ذلك ليشفي غليل الطوسي ؟
التاريخ يدلنا أن بئر الحقد هذا لا قرار له، والفرس يفقدون البصر والبصير إن تعلق الأمر بمعاداة العرب والإسلام، وسنرى في أعمال الصفويين ونادر شاه ما هو أغرب من الخيال.
في (بغداد) قاد العراقيون اكبر واطول نهضة حضارية عالمية في التاريخ، مازجين كعادتهم ما ورثوه من اسلافهم العراقيون الاوائل في سومر وبابل ونينوى، مع ميراثات الشعوب الاخرى من اغريقية وفارسية وهندية وشامية ومصرية وغيرها، حتى اصبحت (بغداد)، مثل سالفتها (بابل)، عاصمة الارض التي تتفاعل فيها اللغات والاديان والافكار وتتزاوج بها جميع الاجناس . في العصر العباسي وبعد اتخاذ (بغداد) عاصمة للخلافة، اخذ العراقيون يشعرون حقا وحقيقة انهم بدأو اخيرا باستعادة امجادهم القديمة المنسية، وقد آن اواهم ان يلعبوا من جديد دورهم التاريخي الحضاري المنتظر الذي حرموا منه منذ اكثر من الف عام بعد سقوط بابل في القرن السادس قبل الميلاد. ولكن حقد الحاقدين من باقي الشعوب على العرب لم يتوقف ، فمؤامرات الفرس استمرت تحاك حتى ضد الدولة العباسية القوية .
9- لو نرجع لدراسة تاريخ العراق سنجد انه مليىْ بالمأسى والويلات والكوارث والحصار المستمر من خلال العهود المظلمة ، عهود الاحتلال الاجنبى للعراق والتى استمرت 663 عاما . لقد شهد العراق الاحتلال الفارسى متمثلا بالدولة الصفوية ثلاث مرات ولمدد مجموعها 36 عاما ، وقد عانى الشعب العراقى الكثير من الويلات والظلم والفقر والمرض والجهل فى العهد الصفوى وقسوة حكامهم وعملائهم ، كما يحدث الان ، ويضاف الى ذلك خلق الفتن والفرقة بين ابناء الشعب مما ادى الى قتال وحروب اهلية فى العهود الصفوية الثلاثة ، كما يحدث حاليا فى العهد الصفوى الرابع . العهود الصفوية تمت عام 1508 و1522و1532و1629 ، وقد راح ضحية هذه الفتن الكثير من المواطنين الابرياء ، والكثير من الممتلكات .
كيف بدأ العهد الصفوي ومن هو المؤسس الحقيقي الاول لهذه العائلة الصفوية ؟ انه إسماعيل الصفوي وهذا الرجل الذي تمكن ان يبني دولة إيرانية جديدة طالما حلم الكثيرمن قادة الشعوبيين قبله في بنائها؟.
أنه إسماعيل بن حيدر بن صفي الدين الاردبيلي الذي ولد من أب ذوأصول تركية أذرية وأم ارمنية. ظهر في مطلع القرن العاشر الهجري، ونجح لاول مرة سنة (907هـ = 1502م) في إقامة دولة شيعية اثني عشرية في تبريز عاصمة أذربيجان.كان جده صفي دين الاردبيلي سني على مذهب الإمام الشافعي وكان معروفا بتصوفه على الطريقة البكتاشية وكان عضوفي المجلس السني - الشيعي المشترك الذي أسسه السلطان خدا بندة التركماني حاكم ايران والذي ضم في عضويته فقيه الشيعة في العراق آنذاك العلامة الحلي.( تاريخ ايران ـ المجلد السادس ـ ص 616). ويعتبر اول من اسس حلقات السلسلة الصفوية الشيخ صفي الدين الاردبيلي المتوفي في النصف الاول من القرن التاسع الهجري وهو احد اقطاب الصوفية في مدينة اردبيل شمال غرب ايران في محافظة اذربيجان واستولى ابناءه على مدينة اردبيل بعد ان هزموا ملوك المغول السنة وانحازوا الى الشيعة ثم بسطوا نفوذهم على جميع اذربيجان واتخذوا من مدينة قزوين بالقرب من طهران عاصمة لهم ومنها مدوا حكمهم الى مدينة اصفهان بعد معارك عديدة مع الحكومات المحلية السنية واتخذوا بشكل نهائي من مدينة اصفهان عاصمة لهم اوائل القرن الحادي عشر الهجري واول ملوك هذه السلسلة هو الشاه طهماسب ومن بعده الشاه اسماعيل الاول ثم الشاه عباس وقد حكم الصفويون اكثر من قرنين حتى انهزم اخر ملوكهم امام هجوم الافغان على ايران والذين استولوا على عاصمة الصفويين اصفهان وبعد ذلك هزم نادرشاه افشار جيش الافغان واستولى على جميع انحاء ايران .
صنع الطائفيون والشعوبيون الإيرانيون للشاه إسماعيل الصفوي هالة مقدسة فاقت هالة الملك كورش الإخميني في التلمود اليهودي. حيث جعلوه بمنزلة نائب الإمام "المعصوم" والحاكم باسمه على الرغم من انه لم يكن من ألفقهاء وليس حتى من الحكام العدول. وهذه المنزلة التي أعطت لإسماعيل الصفوي آنذاك هي ذات المنزلة التي تطورت فيما بعد الى نظرية الولي {الفقيه العادل: نائب الإمام المهدي} المتعارف عليها اليوم في ايران والمسماة بولاية الفقيه.
اما وكيف ظهرت هذه الدولة الفارسية الصفوية الى الوجود ، فقبل خمسمائة عاما تقريبا وعندما كانت ايران تخضع لسلطة الايليخانيين التركمان شهدت المناطق الاذرية في غرب ايران ظهور قوة جديدة اغتنمت فرصة عدم وجود سلطة عثمانية في تلك المناطق وضعف قوة الايلخانيين لتقوم بحركة تمرد تهدف الى إقامة دولة مستقلة تحمل مذهبا مغايرا للمذهب السني السائد في بلاد فارس آنذاك. وقد عمد قائد تلك الحركة "إسماعيل الصفوي" الى المزج بين شطحات الصوفية وخرافة المذهب الجديد ليصنع لنفسه نسبا آخرا يصله بالنبي محمد (صلعم) وهو نسب "السيدية" بديلا عن القزلباشية الذي كان يعرف به. {وهذا التغيير المفاجئ في النسب والمذهب حسب رأي الكاتب والباحث الإيراني إسماعيل نوري لم يجد المؤرخون الإيرانيون والمستشرقون لحد الآن جوابا له وهو كيف ولماذا قرر الصفويون تغيير لقبهم من الشيخ الى السيد واختاروا لدولتهم مذهب التشيع الأثني عشري رغم أنهم كانوا على مذهب أهل سنة}.
وفي احد ليالي الجمعة من ربيع عام 908- 1501م والتي كان من المقرر ان يعلن في صبيحتها تتويجه ملكا والمذهب الشيعي بديلا للمذهب السني السائد في تلك المناطق, حضر عدد من أمراء القزلباش (أصحاب القبعات الحمر من قبائل التركمان الذين شكلوا جيش التمرد الصفوي) حضروا لدى إسماعيل الصفوي وابلغوه عن توجسهم من إمكانية حدوث ردود أفعال من قبل أهالي تبريز الذين كان عددهم يزيد على الثلاثمائة ألف جميعهم من أهل السنة إذا ما سمعوا بالخطبة الشيعية الجديدة التي تقرر ان تتضمن الأذان "بـ اشهد ان علياً ولی الله و" حی علی خير العمل" ويرفضوا ان يكون الملك شيعيا. فرد عليهم قائلا " إني لا أخشى أحدا وإذا ما حدث واعترضت الرعية فاني سوف اجرد سيفي من غمده وبإذن الله لن ادع احد منهم حيا. (كتاب عالم آراء الصفوية ص – 64 ص).وفي صباح الجمعة توجه إسماعيل الصفوي الى الجامع وقد انتشر جنود القزلباش بين صفوف المصلين ثم اعتلى المنبر وجرد سيفه من غمده وأشار الى شيخ يدعى "مولانا احمد الاردبيلي" وكان ملما بالعقائد والفقه الشيعي, وكان قد جيء به من خارج تبريز حيث لم يكن في تبريز آنذاك عالم شيعي واحد, أشار إليه ان يصعد المنبر ويلقي الخطبة وكان هو يقف الى جانبه. وما ان بدأ الشيخ خطبته حتى تعالى الهمس بين المصلين فقسم منهم حين رأوا الجنود فوق رؤوسهم قالوا لله درك من خطيب! أما القسم الأخر فشان عليهم الأمر فقاموا ليخرجوا من الجامع غير ان إسماعيل الصفوي أشار الى جنود القزلباش ان يطلبوا منهم إعلان التبرؤ والمولاة (التبرؤ من الخلفاء الراشدين الثلاث وإعلان المولاة لعلي بن أبي طالب) فمن فعل نجى ومن امتنع تدحرج رأسه بين قدميه.
وعلى الرغم من ان أهالي تبريز لم يبدو مقاومة تذكر في مواجهة الجيش الصفوي إلا ان جنود القزلباش قاموا بمذبحة شنيعة في المدينة لم تسلم منها النساء والأطفال. كما أنهم عمدوا الى نبش قبر السلطان يعقوب آق قوی ونلو التركماني وقبور سائر الأمراء في المدينة وحرقوا بقايا جثثهم. (سفرنامه ونيزيان در ايران: ترجمة منوچهر أميري ـ ص 408). وعلى هذه المنوال واصل إسماعيل الصفوي توسيع دائرة سلطانه ونشر مذهبه الجديد بين الأقاليم الإيرانية التي أخذت تتساقط الواحدة تلو الأخرى تحت شدة بطشه. ويشير صاحب كتاب «أحسن التواريخ» الى مذابح السنة في مدينة «ش?ی» في غرب ايران ومذبحة الشيروانيين وإحراق جثت شيخهم, فرخ يسار, وبناء منارة من جماجم القتلى في المدينة. ويذكر أيضا هجوم القزلباش على قلعة باكو والقيام بمذبحة فجيعة بين أهالي القلعة وإحراق جثث الموتى وأبادت ثمانية عشر ألفا من جيش الأمير عثمان آق قويونلو بعد استسلامهم. كما هاجم إسماعيل الصفوي بغداد عام 913هـ وارتكاب أفضع المجازر وأباح مقام الإمام ابوحنيفة النعمان ونبش قبره. وفي عام 914هـ هاجم الأحواز وأطاح بدولة المشعشعيين بعد مذبحة دامية لا تقل بشاعة عن مذابحه السابقة في تبريز وبغداد وغيرها.
وينقل الباحث الإيراني "الدكتور إسماعيل نوري" عن صاحب كتاب "تاريخ الأدبيات الإيرانية" ان الشاه إسماعيل كان شديد الحساسية بنسبة للعلماء والفنانين وسائر المفكرين. وكان من سيرته انه كان يطلب منهم القول "باشهد وان عليا ولي الله" فمن يلفظها يطلق سراحه ومن يرفض يقطع رأسه او يلقى به في النار. ويضرب مثالا على ذلك قصة قتل اثنين من أهل العلم والفضيلة من علماء السنة في شيراز وأصفهان وهما العلامة القاضي مير حسين مبيدي والعلامة الأمير غياث الدين محمد الأصفهاني اللذين قتلى شر قتلة نتيجة رفضهم سب الخلفاء الثلاثة. ولعل هذه المجازر التي حدثت في بغداد ومدن العراق وغيرها من المدن الإسلامية هي من كانت وراء تحرك الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول لمهاجمة الدولة الصفوية وإنقاذ أهل السنة من الإبادة الكاملة.
وعودة إلى ما فعله الشاه إسماعيل في بغداد، فأهل بغداد لم يقاوموا الشاه ؛ لاضطراب الأوضاع في ذلك العهد ، وكان أهل بغداد يتأملوا بظهور حاكم جديد ينقذهم مما هم فيه، ولكن الشاه إسماعيل أمر قائده حسين لاله بتهديم مدينة بغداد وقتل أهل السُنة والصلحاء، وتوجه إلى مقابر أهل السُنة ونبش قبور الموتى وأحرق عظامهم. وبدأ يعذب أهل السُنة سوءالعذاب ثم يقتلهم محاولا أن يغيرهم للتشيع، وهدم مسجد أبي حنيفة النعمان في مدينة الأعظمية ,ونكل بقبر أبي حنيفة ونبش قبره وهدم المدارس العلمية للحنفية وهدموا كثيرا من المساجد وقتل كل من ينتسب لذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه في بغداد لمجرد أنهم من نسبه, وقتلهم قِتلة قاسية . وقد أرخ الشيعة في ذلك الزمان لهذه الحادثة حتى قال مؤرخهم ابن شدقم "الشيعي" في كتابه "تحفة الأزهار وزلال الأنهار": "فتح بغداد وفعل بأهلها النواصب ذوي العناد ما لم يسمع بمثله قط في سائر الدهور بأشد أنواع العذاب حتى نبش موتاهم من القبور". وقد فرّ كثير من سُنة بغداد، وممن هرب الأسرة الكيلانية بعد أن خرّب الشاه إسماعيل قبر عبد القادر، فرّ هؤلاء إلى الشام ومصر وأخبرو العالم الإسلامي ما فعل الصفويون الشيعة ببغداد وأهلها .
وصلت أخبار المذبحة العظيمة لأهل السُنة إلى بلاد الدولة العثمانية في تركيا، إضافة إلى أخباره السابقة عن تشييع أهل السُنة بإيران وقَتل الآلاف المؤلفة، أضف إلى ذلك جسارة الشاه إسماعيل إلى إرسال دعوته إلى داخل الدولة العثمانية؛ لذا اجتمع السلطان العثماني سليم الأول في عام (920هـ/1514م)، برجال الدولة وقضاتها وعلماءها ورجال السياسة، وقرروا أن الدولة الصفوية تمثل خطراً على العالم الإسلامي بالعموم ؛وعلى الدولة العثمانية بالخصوص، و قرر السلطان إعلان الجهاد المقدس ضد هذه الدولة, واستبقها بأعمال نلخصها بما يلي: أرسل السلطان العثماني سليم مراسلات للشاه إسماعيل الصفوي،بلهجة حادة. ولما لم يستجب الشاه إسماعيل لدعوة السلطان سليم الأول بالتسليم قرر السلطان السيـر بالجيش بقيادتـه مستعيناً ببقايـا أسرة "آق قونيلـو"، وأراد الشاه إسماعيل بحيلة لتأخير الحرب لفصل الشتاء ؛كي يهلك الجيش العثماني جوعاً وبرداً.أحسّ إسماعيل بالخطر فطلب الهدنة ولكن السلطان استمر في زحفه إلى صحراء جالديران شمال تبريز حتى وصلها سنة (920هـ/1514م)، وسحق الجيش الصفوي الشيعي على أرضه، وفرّ الشاه إسماعيل تاركاً كل أمواله، وأسّرت زوجته، وقتل الخائن "محمد كمونه" السابق ذكره, والذي ذهب مع الشاه إلى تبريز ,هكذا هزم الشاه إسماعيل ولكن بقيت بغداد تحت إحتلال الصفويين . شَعَر الشاه إسماعيل بالضعف وشرع بالبحث عن صديق ليتعاون معه ضد العثمانيين، وكان للبرتغاليين الصولة العظمى في بلاد العرب ,وخاصة طموحهم بواسطة اسطولهم في بحر العرب والخليج العربي واستيلاء قائدهم "البو كريك" على مضيق هرمز.كلّ هذه الأمور أغرت الشاه إسماعيل لإجراء اتفاقيات وأحلاف مع البرتغاليين، وقد كان لأمه"مارتا" وجدته لأمه "تيودورا" اليونانية تأثيراً واضحاً في ذلك الحلف . وجاء في رسالة مرسلة من "البوكيرك" إلى الشاه إسماعيل الصفوي جاء فيها: "إني أقدّر لك احترامك للمسيحيين في بلادك[31]، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحر الأحمر، أمام جدة أو في عدن أو في البحرين أو القطيف أو البصرة، وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي وسأنفذ له كل ما يريد" .
وفعلاً تم التحالف مع النصارى البرتغاليين وأقرَّهم الشاه إسماعيل باستيلاءهم على هرمز مقابل مساعدة الشاه على احتلال البحرين والقطيف. كما اتفق على مشروع لتقسيم المشرق العربي بأن يحتل الصفويون مصر والبرتغاليون فلسطين . وقد اكتشفت الدولة العثمانية هذه المراسلات بين الدولة الصفوية والمماليك للتآمر لاحتلال مصر، فسارعت باحتلال مصر وقضت على المماليك رغم أن هذا الفتح لمصر هو أحد أسباب تأخير السلطان سليم عن القضاء على الشاه إسماعيل ودولته ، كما أن البرتغاليين سيطروا على البحر العربي والخليج العربي توجه السلطان سليمان بعد ذلك إلى بغداد، وانهزم واليها التابع لطهماسب ودخل سليمان القانوني بغداد فاتحاً وفتح العراق وتبع للدولة العثمانية، وأعاد قبر أبي حنيفة ورفاته وبناه من جديد، وقيل إنهم وجدوا رفاة أبو حنيفة كاملاً في كفنه، وأعيد إلى قبره وبنى عليه قبة، ولكن السلطان زار قبر موسى الكاظم، وزار كربلاء والنجف وأنقذ مدينة كربلاء من الفيضان وبنى سدوداً. ثم رجع وخلُص جميع العراق له بل حتى البحرين والقطيف . كل ذلك كان سنة (941هـ/1534م) وهكذا تخلص العراق من كابوس الصفويين بعد أن جثم عليهم كل هذه السنين ، وسيطر نهائياً على تبريز سنة (944هـ) ونقلت عاصمة الصفويين إلى قزوين.
اما المراجع الطائفية والشعوبية الايرانية فقد اطرت ملكهم اسماعيل الصفوي واطلقت عليه كل انواع الاسماء القدسية بينما يصفه ابنه طهماسب بأنه جزار وشارب خمر وزير نساء. وقد جاء ذلك في رسالة بعث بها الشاه طهماسب الأول بن إسماعيل الصفوي الى السلطان سليمان القانوني بن سليم الأول يقول له فيها, ان أبي حين دخل مع أبوك الحرب في معركة جالديران كان سكرانا في ذلك اليوم ولم يكن لوحده في حالة سكر بل ان قائده "دورميش خان وسائر أمراء الجيش بل ان اغلب الجيش كان في حالة سكر. وقد تحدثت الكثيرمن المصادر التي اختصت بدراسة أحوال ملوك الصفوية ان الشاه إسماعيل كان شارب للخمر وكان حليق اللحية ويحب مجالس اللهو والرقص وبعد ان فتح هرات طلب ان تلبس نسوتها الزينة وتخرج راقصة لاستقباله.ولكن على الرغم من كل هذه الرذيلة بقي الطائفيون والشعوبيون يمجدونه وبقي في أعينه الحاكم بنيابة عن الإمام الغائب
اما ومتى ظهرت طموحات الفرس لاحتلال العراق ؟ فكتب التاريخ تؤرخ لنا انه بعد احتلال العراق من قبل التتر ومقتل الخليفة العباسي بالتعاون مع ابن العلقمي بدأ العراق في التدهور حضاريا وثقافيا وعم الجهل بين صفوف الشعب ، وراحت الاطماع الفارسية تسيطر على طموحات ملوك الفرس في اخضاع العراق لحكمهم مرة اخرى . بدأ احتلال الدولة الصفوية للعراق عام 1508 عندما دخل شاه اسماعيل الصفوى بغداد على رأس جيش كبير من دون اية مقاومة ، وعين خادم بيك واليا عليها واطلق عليه لقب (خليفة الخلفاء) وبالرغم من ان الشاه دخل بغداد سلما فأنه امر بمذبحة راح حينها عدد كبير من السكان من دون مسوغ . ويقول المؤرخون انه (فعل بأهل بغداد مالم يسمع بمثله قط فى سائر الدهور وبأشد انواع العذاب) واتبع الشاه اسماعيل سياسة تفريق صفوف الشعب واضعاف مقاومته متسترا بالدين ، . دامت الفترة الاولى للاحتلال الصفوى 16 عاما انتهت بوفاة الشاه اسماعيل الذى خلفه ابنه طهماسب الصفوى عام 1523 لكن هذا لم يحكم بغداد الا فى عام 1529 ، اذ ان اميرا كرديا ثائرا هو الامير ذو الفقار هاجم بغداد وطرد حكامها الصفويين ، واستولى عليها وعلى معظم مدن العراق ، واعلن استقلاله واستمر هذا الحكم نحو 6 سنوات ، غير ان العثمانيين فى عهد السلطان سليمان القانونى ارسلوا جيشا احتل بغداد وانتهت فترة حكم الصفويين الاولى والثانية .
اما إسماعيل الثاني 1576 ـ 1578، ثالث ملوك الصفويين(كان الملك طهماسب الأول ثاني الملوك الصفويين)، فقد كان والده قد وضعه في السجن لمدة عشرين عاماً لما لمسه فيه من فضاضة وخشونة وقسوة تبلغ حد الوحشية. ثم أرتبط أسم هذا الحاكم بارتكاب المجازر الدموية، فقد فتك هذا الطاغية بأخوته وعائلته وكل من كان يشك به من رجال دولته. كما كان مدمناً على الخمر، فاسقاً وتروى عنه قصص خيالية.
بيد أن هذا الطاغية لقى مصرعه اغتيالاً، عقاباً إلهياً على جرائمه، ولم يكن من أشقائه يصلح للحكم سوى أخ ضرير كان قد سلم من القتل، فنصب محمد خدابندة ملكاُ رغم أنه فاقد الأهلية الشرعية.
يتبع في الجزء الثالث بإذن الله