اياد حسين
عدد الرسائل : 550 الدوله : تاريخ التسجيل : 22/02/2008
| موضوع: حياة الامام الغزالي الخميس 8 يناير - 13:06:36 | |
| حياة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرّحِيمِترجمة حياة الإمام الغزاليرحمه الله تعالىالإمام الغزالي هو أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الملقب حجة الإسلام، زين الدين الطوسي، الفقيه الشافعي، ولد بطوس، سنة خمسين وأربعمائة. ويحكى أن والده كان صالحاً، لا يأكل إلا من كسب يده، يعمل في غزل الصوف ويبيعه في دكانه؛ ولما حضرته الوفاة أوصى به وبأخيه أحمد إلى صديق له متصوف ومن أهل الخير وقال له: إن لي لتأسُّفاً عظيماً على تعلم الخط، وأشتهي استدراك ما فاتني في ولديَّ هذين، فعلِّمهما، ولا عليك أن تُنفِذَ في ذلك جميع ما أخلفه لهما. فلما مات أقبل الصوفي على تعليمهما إلى أن فنيَ ذلك النزر اليسير الذي خلّفه لهما أبوهما، فقال لهما: إعلما أني قد أنفقت عليكما ما كان لكما، وأنا رجل من الفقر، لا مال لي أواسيكما به، فأرى أن تلجأ إلى مدرسة، فإنكما من طلبة العلم، فيحصل لكما قوت يعْينكما على وقتكما، ففعلا ذلك، وكان هو السبب في سعادتهما وعلو درجتهما. وكان الغزالي يحكي ذلك ويقول: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله. وقد كان والد الغزالي رحمه الله يطوف على المتفقِّهة، ويجالسهم، ويتوفرَّ على خدمتهم، ويَجِدُّ في الإحسان إليهم، والنفقة بما يمكنه عليهم، وكان إذا سمع كلامهم بكى وتضرَّع، وسأل الله أن يرزقه ابناً واعظاً، ويجعله فقيهاً، فاستجاب الله دعْوَتَيه، أما أبو حامد فكان أفقه أقرانه، وإمام أهل زمانه؛ وأما أحمد فكان واعظاً، تلينُ الصُمُّ الصخور عند سماع تحذيره، وترتعد فرائِضُ الحاضرين في مجالس تذكيره. قرأ الغزالي في صباه طرفاً من الفقه على أحمد محمد الراذكاني، ثم قدم بعد ذلك إلى نيسابور، ولازم إمام الحرَمَيْن أبي المعالي الجُوَيني، وجدَّ واجتهد حتى برع في المذهب، والخلاف، والجدل، والمنطق، وقرأ الحكمة، والفلسفة، وأحكَمَ كل ذلك، وفهم كلام أهل هذه العلوم، وتصدى للردّ عليهم وإبطال دعاويهم، وصنَّفَ في كل فن من هذه العلوم كُتباً أحسنَ تأليفها، وأجاد وضعها. وكان الغزالي رضي الله عنه شديد البكاء، سديد النظر، قويَّ الحافظة، بعيد الغَوْر، غوَّاصاً على المعاني، مُناظِراً مِحْجاجاً. ولما مات إمام الحرَمَيْن "الجُوَيْني" خرج الغزالي قاصداً الوزير "نظام الملك". وكان مجلسه مجمع أهل العلم، فناظر الأئمة العلماء في مجلسه، وظهر كلامه عليهم، واعترفوا بفضله، وتلقَّاه الصاحب بالتعظيم والتبجيل، وولاء تدريس مدرسته "النظّامية" ببغداد سنة أربعٍ وثمانين وأربعمائة، فقدمها في تجمُّل كبير، وتلقَّاهُ الناس، ونفذت كلمته، وعظمت حشمته حتى غلبت على حشمة الأمراء والوزراء، وأعجب الخلقَ حسنُ كلامه، وكمالُ فضله، وفصاحةُ لسانه، ونُكَتُه الدقيقة، وإشاراته اللطيفة، وأحبوه. وأقام على تدريس العلم ونشره بالتعليم والفُتيا والتصنيف مُدةً. كان عظيم الجاه، عالي الرتبة، مسموع الكلمة، مشهور الاسم، تضرب به الأمثال، وتُشد إليه الرحال، حتى شَرُفَت نفسه عن كل جاه، وترك ذلك كله وراء ظهره ورحل إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، فخرج إلى الحج في شهر ذي الحجة سنة ثمانٍ وثمانين وأربعمائة (488 هجرية) واستناب أخاه في التدريس ببغداد. ودخل دمشق بعد عودته من الحج في سنة تسعٍ وثمانين وأربعمائة (489 هجرية)، فلبث فيها أياماً يسيرة، ثم توجه إلى بيت المقدس، فجاور ربه مدةً، ثم عاد إلى دمشق، واعتكف بالمنارة الغربية من الجامع، وبها كانت إقامته. وقد صادف دخوله يوماً المدرسة الأمنية فوجد المدرس يقول: قال الغزالي وهو يدرس كلامه فخشي الغزالي على نفسه العجَبَ ففارق دمشق، وأخذ يجول في البلاد، فدخل مصر، وتوجه إلى الإسكندرية، فأقام بها مدة، وقيل إنه عزم على المضي إلى السلطان يوسف بن تاشفين سلطان المغرب لِما بلغه من عدله، فبلغه موته، واستمر يجول في البلدان حتى عاد إلى خراسان ودرَّس بالمدرسة النظامية بنيسابور مدة يسيرة، ثم رجع إلى طوس، واتخذ إلى جانب داره مدرسة للفقهاء، وخانقاه للصوفية، ووزع أوقاته على وظائف من ختم القرآن، ومجالسة أرباب القلوب، والتدريس لطلبة العلم، وإدامة الصلاة والصيام وسائر العبادات، إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى ورضوانه. وكانت وفاته بطوس، في يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرى، سنة خمسٍ وخمسمائة (505 هجرية)؛ وعمره خمس وخمسون سنة. قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب "الثبات عند الممات": "قال أحمد أخو الإمام الغزالي: لما كان يوم الاثنين وقت الصبح، توضأ أخي أبو حامد وصلى وقال: عليَّ بالكفن، فأخذه وقبَّله، ووضعه على عينيه، وقال: سمعاً وطاعة للدخول على الملك، ثم مدَّ رجليه، واستقبل القبلة، ومات قبل الإسفار، قدَّس الله روحه". هذا وقد رثاه الأديب أبو المظفر محمد الأبيوردي، الشاعر المشهور، بأبيات فائية منها:
*مضى وأعظمُ مفقودٍ فُجِعْتُ بِه * من لا نظيرَ لهُ في الناسِ يخلُفُه*ُ وتمثَّل الإمام إسماعيل الحاكمي بعد وفاته بقول أبي تمام من جملة قصيدة مشهورة له: *عجبتُ لصبري بعدَهُ وهوَ ميتٌ * وكنتُ امرء أبكي دماً وهوَ غائبُ* *على أنها الأيامُ قد صِرْنَ كلُّها * عجائبَ، حتى ليس فيها عجائبُ* وقد دُفن الغزالي رحمه الله بظاهر الطابرّان، وهي قصبة طوس، رحمه الله تعالى. باقة من كلماته ومن كلماته المنثورة البديعة رحمه الله ما نقله الزبيدي الشهير بمرتضى من طبقات المناوي في كتابه "إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين". وهي كلمات تعبر عن سعة علمه وإدراكه وفهمه: - "أنوار العلوم لم تُحجب من القلوب لبُخلٍ ومنعٍ من جهة المُنعِمِ تعالى عن ذلك، بل لِخَبَثٍ وكدورةٍ وشغلٍ من جهة القلوب، فإنها كالأواني ما دامت مملوءة بالماء لا يدخلها الهواء، والقلب المشغول بغير الله لا تدخله المعرفة بجلاله". - "جلاء القلوب والأبصار يحصل بالذكر، ولا يتمكن منه إلا الذين اتّقَوا، فالتقوى باب الذكر، والذكر باب الكشف، والكشف باب الفوز الأكبر". - "قلب المؤمن لا يموت، وعلمه عند الموت لا ينمحي، وصفاؤه لا يتكدّر، وإليه أشار الحسن بقوله: التراب لا يأكل محل الإيمان". - "مهما رأيت العلماء يتغايرون، ويتحاسدون، ولا يتآنسون، فاعلم أنهم اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فهم خاسرون". - "أشدُّ الناس حماقة أقواهم اعتقاداً في فضل نفسه، وأثبتُ الناس عقلاً أشدهم اتهاماً لنفسه". - "مهما رأيتَ إنساناً سيِّء الظن بالله، طالباً للعيوب، فاعلم أنه خبيث في الباطن، والمؤمن سليم الصدر في حق كافة الخلق". - "حقيقة الذكر لا تتمكن من القلب إلا بعد عمارته بالتقوى، وتطهيره من الصفات المذمومة، وإلا فيكون الذكر حديث نفس، ولا سلطان له على القلب، ولا يدفع الشيطان". - "كما أنك تدعو ولا يُستجاب لك لفقد شرط الدعاء، فكذلك تذكر الله ولا يهرب الشيطان لفقد شروط الذكر". - "النفس إذا لم تُمنَع بعضَ المباحات طمعت في المحظورات". - "السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه، والشقاوة في أن تملكه نفسه". - "من عوَّد نفسه الفكرَ في جلال الله وعظمته، وملكوتِ أرضه وسمائه، صار ذلك عنده ألذّ من كل نعيم، فلذةُ هذا في عجائب الملكوت على الدوام، أعظم من لذة من ينظر إلى أثمار الجنة وبساتينها بالعين الظاهرة، وهذا حالهم في الدنيا، فما الظن بهم عند انكشاف الغطاء عن العقبى؟". - "لا يبقى مع العبد عند الموت إلا ثلاث صفات: صفاء القلب أعني طهارته من أدناس الدنيا؛ وأُنسه بذكر الله؛ وحبه لله. وطهارة القلب لا تحصل إلا بالكف عن شهوات الدنيا؛ والأُنس لا يحصل إلا بكثرة الذكر؛ والحُب لا يحصل إلا بالمعرفة، ولا تحصل معرفة الله إلا بدوام الفكر". - "علماء الآخرة يُعرفون بسيماهم من السكينة والذلة والتواضع، أما التمشدق والاستغراق في الضحك، والحدّة في الحركة والنطق فمن آثار البطر والغفلة، وذلك من دأب أبناء الدنيا". وله رحمه الله دعاء عجيب جرَّبه أهل العرفان عند حلول الفاقة وهو: - "اللهم يا غني، يا حميد، يا مبدئ، يا معيد، يا رحيم، يا ودود، أغنني بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سِواك قال: من ذكره بعد صلاة الجمعة وداومَ عليه أغناه الله عن خلقه، ورزقه من حيث لا يحتسب". * * * وللإمام الغزالي مصنفات كثيرة منها: كتاب "الوسيط" و "البسيط" و "الوجيز" في الفقه. و "إحياء علوم الدين". و "المُسْتَصْفَى" في أصول الفقه. و "تهافت الفلاسفة". و "المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحُسنى". و "مشكاة الأنوار". و "الاقتصاد في الاعتقاد". و "معارج القدس في أحوال النفس" و "مقاصد الفلاسفة". و "تنزيه القرآن عن المطاعن". و "المعارف العقلية". و "فضائح الباطنية". و "التبر المسبوك في نصيحة الملوك". و "منهاج العابدين". و "ياقوت التأويل في تفسير التنزيل" وهو تفسير يقع في نحو أربعين مجلداً. و"الحكمة في مخلوقات الله". و "مكاشفة القلوب المقرب إلى علاَّم الغيوب". و "جواهر القرآن" وهو الكتاب الذي بين أيدينا. | |
|