لماذا هذا التكالب على أمة الإسلام ؟
الحمد لله القائل في محكم التنزيل
واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب{25} ) الأنفال .
ويقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه , فلا ينكرونه , فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة ) .
أيها الإخوة الأكارم : لماذا تتكالب الأمم على أمة الإسلام ؟
ولماذا يحاصر المسلمون في هذا الزمان ؟ وفي كل مكان على وجه الأرض جميعها !
إخوتي في الله أحبتي في الله : لا بد وأن نستوضح أمراً حساساً وهاماً , ولا بد كذلك من تبيانه وكشف ملابساته , وهو أمر متعلق بسؤال ملح مفاده : هل كل حصار يُفرضُ من الكفار على المسلمين يعني بالضرورة أن المسلمين على حق ؟ أم أن الأمر بخلاف ذلك ؟ فإن الكثير من الناس يحكم على الأمور في هذا الزمان حكماً ظاهرياً, ولا يكلف نفسه العناء بالبحث والغوص في خباياها , أو معرفة ما يحيط بها , فيحكم على الأحداث حكماً قياسياً شمولياً خاطئاً !
أيها الإخوة الأفاضل : إن الله تبارك وتعالى قد بين لنا ما تكنه صدور الكفار, وما يظهرونه في حربهم على الإسلام والمسلمين دليل عليه صادق إذ يقول : ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا{217}) البقرة .
هذه سنة الله سبحانه وتعالى في الكفار وفي كل آن وحين , أنهم يقاتلون المسلمين حتى يردوهم عن دينهم ـ وحتى هنا لانتهاء الغاية ـ أي حتى يرد الكفارُ المسلمين عن دين الإسلام ليتحولوا إلى دين الكفر والعياذ بالله !
أيها الإخوة العقلاء استمعوا وأصغوا السمع وتنبهوا : هل من الضرورة أن يكون كل حصار مفروض من قبل الكفار على المسلمين ابتلاء من عند الله سبحانه وتعالى للمؤمنين حتى يمحصهم ؟ أم أنه قد يكون عقاباً ؟
اسمعوا جيداً وعوا وتدبروا أيها الإخوة الكرام : إن الأدلة من السنة النبوية لتبين أنه إلى جانب كونه ابتلاء فقد يكون فتنة أحياناً وعقاباً أحياناً أخرى ! ألم تسمعوا قول الله تبارك وتعالى : ( ذلك بأن الله لم يكُ مغيراً نعمة ًأنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم {53}) الأنفال .
وقول رسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم : ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها ! قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ ؟ قال : أنتم يومئذ كثير ! ولكن تكونون غثاءً كغثاء السيل , ينتزع المهابة من قلوب عدوكم , ويجعل في قلوبكم الوهن ! قلنا وما الوهن ؟ قال : حب الحياة وكراهية الموت )
أنظر أخي المسلم وتبصَّر : أمن قلة بنا يومئذ ؟ قال : أنتم يومئذ كثير! ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل !! .
والسؤال : هل في هذا القول مفخرة لنا ؟! وهل فيه دليل على أن الله راض ٍعنا ؟! لا وربي بل فيه ذم من الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة حين تتكالب عليها الأمم ! بسبب تقاعسها ! نعم يذمها ! ولماذا يذمها ؟ لأنها أضحت غثاء كغثاء السيل , فهي مع كثرتها صامتة لا تحرك ساكناً, تنتزع المهابة , ويحل الوهن ! حباً في الدنيا وكراهية الموت ! ومنه التنازع على الوزارات والسلطات والحكومات التي لا تحكم بشرع الله ولا بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وهذا كله من حب الدنيا وكراهية الموت ! ومنه قبول السحت من دول الكفر! وهو كذلك من حب الدنيا وكراهية الموت ! ومنه استجداء الدول الغربية الكافرة , وحكومات الضرار في الدول العربية العميلة لها , تلك التي لا تأتمر إلاَّ بأوامر الكفار ! أو ليس هذا أيضاً من حب الدنيا وكراهية الموت ؟! نعم . تداعى عليكم الأمم , كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ! هل في ذلك من فخر؟! لا وربي , بل هو عقوبة من الله علينا , حتى نتوب إليه سبحانه عن المعاصي ونؤوب , ولا نوالي أحداً سواه .
وهذا حديث آخر يحذرنا فيه رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم , عقوبة تنال الصالح منا والطالح فيقول : ( يا معشر المهاجرين، خمس إن ابتليتم بهن، ونزل فيكم ، أعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعملوا بها : إلاَّ ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم .ولم ينقصوا المكيال والميزان : إلا أخذوا بالسنين ، وشدة المؤونة ، وجور السلطان عليهم . ولم يمنعوا الزكاة : إلاَّ مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا. ولم ينقضوا عهد الله ، وعهد رسوله : إلا سلط عليهم عدوهم من غيرهم ، وأخذوا بعض ما كان في أيديهم . وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله : إلا ألقى الله بأسهم بينهم ) .
وهل في هذا كذلك مفخرة ؟! لا والله لا فخر!! بل عقاب من الله عظيم , في الدنيا قبل الآخرة أعاذنا الله وإياكم .
أيها الناس: إن حصار المسلمين في فلسطين ليس مفخرة لنا, بل نقمة وعذاب من الله علينا , وهو مما لا يُباهى به, لأنه دفع إلى الخيانة وتمريرها من أجل تمكين الكفار من بلادنا ومقدراتنا ومن أجل التحاكم إليهم في كل أمر! نعم ليس مفخرة نعتز بها ! لماذا : لأنه كيف يكون حصاراً على حق , والحكومة الحالية تعترف بحق لليهود في فلسطين.
ورب سائل : كيف تقول هذا والحكومة لم تعترف بيهود ؟ فنردُّ قائلين : إن الذي يحترم الرئيس الفلسطيني ويؤيد أقواله ويأكد أفعاله, ويسير وفق اتفاقيات أبرمت, وخيانات وقـِّعَت ! ويفرط بدماء المسلمين الزكية, ويحترم الغزاة المستعمرين , ويقر بمبادراتهم وخياناتهم وتنازلاتهم , ويحترم اتفاقياتهم المبرمة السابقة منها واللاحقة, حتى وإن وافقت كلها أو بعض منها ما يسمى بـ ( مصالح الشعب الفلسطيني ) فهو خائن مفرط مضيع , ومجرم بحق نفسه وأمته , لأنه لم يجعل الحكم الشرعي مرتكزاً وحكماً فاصلا للخصومات !
ورب آخرَ يقول : لا, لم نعترف بيهود ! فنقول : إن الذي يرسل رسالة للأمم المتحدة يقرُّ فيها بقبوله قيام دولتين على أرض فلسطين الطهور! فإن قوله هذا بحدِّ ذاته اعتراف بحق يهود في فلسطين , تماماً كالذي يرضى بأيةِ قطعة أرض , وفي أية بقعة مما احتل عام سبعة وستين , ومهما كان حجمها فهو مفرط فيها , وخائن للأمانة !
وعليه فالذي لا يرفض هذا المنكر , ولا يستنكر هذه الجريمة , ولا يجهر بقول الحق في هذه الخيانة النكراء, ولا يلعن فاعليها , وإنما يوافقهم عل غيهم , ويؤيد منكرهم , وفوق هذا كله يرضي ويتابع ! فإنه إذن مثلهم في غيهم وجرمهم سواء بسواء . فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها، كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها )
والذي ينادى بتطبيق المبادرة العربية للسلام ! فإنه يعترف بحق يهود بالوجود على أرض فلسطين ! والذي يحتكم إلى الشرعية الدولية وينادي بتطبيقها , فهو يعترف كذلك بحق يهود بالوجود !
فكيف بالله عليكم بمن فعل هذا وأكثر منه ! أفيكون حصاره حصاراً على حق ؟! لا وربي ! فليس بالضرورة أن يكون الحصار المفروض من الكفار دليلا على أنهم لا يحاصرون إلاَّ أصحاب الحق !
فهل كان حصار الكفار للعراق أيام حكم البعث , دليل على أن صدام كان على حق ؟
وهل حصار حلف الناتو ليوغسلافيا دليل على أن الصرب على حق ؟
وهل حصار الشرق والغرب لكوريا الشمالية , دليل على أن كوريا على حق ؟
وهل حصار سوريا وحكومتها البعثية العلوية , وإطباق الغرب عليها , دليل على أن الأسد على حق ؟
وهل حصار أمريكا لنظام الجماهيرية الليبية العظمى ـ قديماً ـ دليل على أن القذافي اللعين على حق ؟
وهل تصنيف إيران ـ كحكومة لا كشعب ـ عضواً في محور الشرِّ من قِبل أمريكا ! دليل على أن إيران على حق ؟
فأنتم تعلمون أنها على باطل , وتعلمون أيضاً عمالتها لأمريكا. بسكوتها على احتلال أمريكا لأرض الخليج وبلاد الأفغان ! ثم هم يقفون موقف المتفرج , تماماً كما يقفون اليوم متفرجين على إخوانهم في العراق ولبنان وفلسطين ! وقد خذلوهم ! ثم بعد ذلك نظهرهم بمظهر أصحاب المواقف البطولية تجاه الإسلام والمسلمين .
فهل إيران على حق ؟
وهل فرعون مصر على حق ؟
وهل من مَلـَكَ السعودية على حق ؟
وهل ولد الأردن العجمي على حق ؟
وهل جميع رويبضات السوء إذا ما حوصروا , فإنما يحاصرون على حق ؟
أم لأنهم جبناء أنذال ؟ رضوا المذلة, وعشقوا المهانة, فهانت عليهم أنفسهم, فأذلهم الكافر المستعمر وحقرهم فوق ما هم فيه من ذل وصغار وهوان ! نعم : هانت عليهم أنفسهم, فهانت على الكفار, فلفظتهم الأمة وأبت على نفسها حتى انتعالهم .
إذن فهذا الحصارُ وغيرُه الكثير الكثير, أمثلة لحصار الغرب الكافر الحاقد على الإسلام , الساعي لمصالحه , الطامع وراء سيطرته على العالم بجبروته وظلمه, الدعيَّ الزاعم أنه قد جاء بالتحرر من الإستعمار! مع أنه هو الإستعمار بعينه , لدول ما كان رؤساؤها ولا زعماؤها على حق .
لذلك فلا تقاس الأمور هكذا , وإنما تـُقاس بمقياسنا نحن المسلمين , ومقياسنا : هو الحكم الشرعي , وميزاننا : كتاب الله سبحانه وتعالى , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , والحلال والحرام مرجعية أعمالنا , لا مواقف الغرب منا , فالغرب يحالف ويعادي , فيظهر العداء علناً , ويحالف سراً ! فهو يعلن عداءه لإيران ويجهر بذلك , ثم يحالفها سراً ! وهذا أمر معروف أصبح بدهياً لكل ذي عقل ولب ! أن إيران حليفة لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط , وليس بمستبعدٍ أن تجعلها البلد الرئيس في خطتها الأخيرة فيما يسمى : بالشرق الأوسط الجديد أو الكبير, لأنها تخدم أمريكا وتحفظ مصالحها أكثر من أية دولة أخرى منذ عهد الخميني , حتى بات واضحاً أن إيران تنفذ سياسة أمريكا في المنطقة على أكمل وجه وزيادة !
وأما بالنسبة للضجيج المثار عليها بحجة تخصيبها لليورانيوم , والتلويح بعقوبات ضدها , فوالله ما عادت تنطلي حتى على السذج من العامة حتى تنطلي على أصحاب الوعي السياسي , تماماً كما كان الحال زمن عبد الناصر أيام حكمه !
نعم أيها الإخوة في الله :هذا هو حال الغرب, وهذا هو واقع الإستعمار, لذلك فيجب على المسلم أن يتنبه جيداً لمكر الكفار الذين يكيدون له بالليل والنهار, سراً وعلانية, ليحبط مؤامراتهم, ويفشل مخططاتهم, وهو لا يتأتى إلاَّ بالوعي السياسي, وبالنظر إلى الأمور من زاوية الإسلام , وهي الزاوية الخاصة التي يجب أن تقاس عليها الأمور, عسى الله تبارك وتعالى أن يمكن لنا في الأرض , وأن يثبت أقدامنا , وأن يرد كيد الكافرين إلى نحرهم , إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.
فقد روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال:خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطا ثم قال : (هذا سبيل الله) ثم خط خطوطاً عن يمينه وخطوطاً عن يساره ثم قال
هذه سُبُلٌ على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها ) ثم قرأ هذه الآية ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) .
وصدق الله العلي العظيم : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد {51}) غافر .
منقول للفائدة
بارك الله فيكم أشكركم جزيل الشكر وفتح الله عليكم واني والله أحبك بالله