''عندما يسقط متعب بن تعبان في إمتحان حقوق الإنسـان''
هذا عنوان لقصيدة للشاعر الكبير نزار قباني ألقاها في مهرجان المربد الخامس في بغداد عام 1985 وقد احدثت ضجة كبيرة داخل الاوساط الادبية لجرأتها في حينها و تم التعتيم والتشويش عليها و منعت من الصدور على الصحف العراقية وقنوات الاعلام... ومن باب الأمانة التاريخية لم يـُدعَ نــزار إلى أي مهرجان في العراق بعد ذلك.
ترى هل تنبأ نزار قباني بما سيمر بالعراقيين منذ ذلك الحين؟ ألله أعلم
مع تحيات
مكتب / شبكة النساء العراقيات
أعـِدْتُ طـَبعَهـا وأضفتُ الحركـات ..... و أنا أقـول إلى متى يعيـــدُ علينـا التاريخ نفســه ؟... و خلي (يشـيلنا من دماغـُه) كما يقول المصريـّون ..!!!!
لقد كنت في بغـــــداد الجريحـة الكئيبـة المكسـورة الفـؤاد ولا أستطيع التعبير عن مشاعر أحسست بها .. هل تصدقون إني شـعرت بالغربـة في مدينة قضيت فيها عمري ... الوجوه غير الوجـوه التي عرفتها تسير وأنت تحس بمشاعر الرهبة والحـذر فقد يسألك أحد عن هويتك في الطريق أو حاجز أو نقطة تفتيش قد تكون وهمية أو حقيقية لا تعرف ماذا في عقل من يسألك عن الهوية وماهي هويتـَه، هل يكتفي بجواب "إنني عراقـي"؟، نعم تشـعر بالخوف في تنقلاتك من عـدو مجهـول لا بل أعـداء قـد تـُخطف أو قـد تـُقتل بسـيارةٍ مفخخـة أو بقنبلة مدفع هاون طائشـة ولا أقول رصاصة فالخير كثير يأتينا من الجيران والإخوان والأحباب ... لقد صادف مرتين أثناء فترة بقائي أن تنفجر سـيارة مفخخة قبل مرورنـا أنا وإبني محمـد بفترة قصيرة ... وصرت أخافُ أن يموت حتى إحسـاسـنا بأن هـذا هو وطننا بقيت هناك مدة خمسـين يومـاً ورجعت الى سٍوريا في 21/ 22 آذارً ولا أعرف أين موطني خصوصاً بعـد أن بانَ زَيـفُ الشــعارات وأن لا حـدود في الوطن العربي هل تصدقون أن هناك مئات الخيم لفلسطينيين خرجوا من العراق لا تقبلهم أي دولـة عربيـة وهم يعيشـون على مساعدات الأمم المتحـدة .. بلا كهربـاء ... نمـوذج كبير لفلم "الحـدود" هل تذكروه للفنـان القديـر دريـد لحـام صاحب الروائع ومنها "كأسك يا وطـن" التي تبكينا أكثر مما تضحكنا والتي يُجسِّـد فيها مآسـاة هـذا الوطـن لقـد بقينا في هـذه الأوطـان التي قـُدِّر لنـا ولهـا أن يحكمهـا الرُّعـاع.
مع تحيــاتي
مضــــــــــر
قصيــدة الشــاعر: نـــزار قبــانى
''عندما يسقط متعب بن تعبان في إمتحان حقوق الإنسـان''
مُواطِنون دونما وطـنْ
مطارَدون كالعصافيرِ على خرائطِ الزمـنْ
مسافـِرون دونَ أوراقٍ ..وموتى دونما كفـَنْ
نحن بغايا العَصـرِ
كلُ حاكمٍ يبيعنا ويقبضُ الثمَنْ
نحنُ جواري القصـرَ
يرسلوننا من حجرةٍ لحجرة
من قبضةٍ لقبضة
من مالكٍ لمالكْ
ومن وثنٍ إلى وثنْ
نركض كالكلابِ كلَّ ليلةٍ
من عـَدَنٍ لطنجة
ومن طنجةٍ إلى عـدنْ
نبحث عن قبيلةٍ تقبلنا
نبحث عن ستارةٍ تسترنا
وعن سـكنْ .......
وحولنا أولادنا
إحدودبت ظهورهم وشاخوا
وهم يفتشون في المعاجم القديمة
عن جنةٍ نظيـرة
عن كذبةٍ كبيـرة ... كبيـرة
تـُدعى الوطـنْ
***************
مواطنون نحن فى مدائن البكــاء
قهوتنا مصنوعة من دمِ كربــلاء
حنطتنا معجونة بلحمِ كربــلاء
طعامنا ..شرابنا
عاداتنا ..راياتنا
زهورنا ..قبورنا
جلودنا مختومة بختمِ كربــلاء
لا أحد يعرفنا فى هذه الصحـراء
لا نخلـة ٌ.. لا ناقـة ٌ
لا وتـدٌ ... لا حجرٌ
لا هنـدُ ..لا عفــراءْ
أوراقنا مُريبة
أفكارنا غريبة
أسماؤنا لا تشبه الأسماءْ
فلا الذين يشربون النفطَ يعرفوننا
ولا الذين يشربون الدمعَ والشقاءْ
***
معتقلون داخل النص الذى يكتـُبُهُ حُكّـامنا
معتقلون داخل الدين كما فسَّرَهُ إمامنا
معتقلون داخل الحـُزن ..وأحلى ما بنا أحزاننا
مراقبون نحن فى المقهى ..وفى البيتِ
وفى أرحامِ أمهاتنا
حيث تلفتنا وجـَدنا المُخبرَ السري فى إنتظارنا
يشربُ من قهوتنا
ينامُ فى فراشنا
يَعبـَث فى بريدنا
يـَنكـُشُ فى أوراقنا
يَدخـُلُ فى أنوفنا
يَخرُج من سعالنا
لِساننا ..مقطوعْ
ورأسنا ...مقطوعْ
وخبزنا مبللٌ بالخوفِ والدموعْ
إذا تظلـَّمنا إلى حامى الحمى
قيل لنا : ممنـــوعْ
وإذا تضرَّّعنا إلى رب السما
قيل لنا : ممنوعْ
وإن هـَتفنا ..يا رسول الله كن فى عوننا
يعطوننا تأشيرة من غير ما رجوع
وإن طلبنا قلماً لنكتب القصيدة الأخيرة
أو نكتب الوصية الأخيرة
قبيل أن نموت شنقاً
غيروا الموضوع
******************************
يا وطني المصلوب فوقَ حائط الكراهية
يا كرة النار التى تسير نحو الهاوية
لا أحدٌ من مضرٍ ..أو من بنى ثقيف
أعطى لهذا الوطن الغارق بالنزيف
زجاجة من دَمـِهِ
أو بولـهِ الشريف
لا أحدٌ على امتدادِ هـذه العباءة المرقعة
أهداك يوماً معطفاً أو قبعة
يا وطنى المكسور مثل عشبة الخريف
مقتلعون نحن كالأشجار من مكاننا
مُهجّرون من أمانينا وذكرياتنا
عيوننا تخاف من أصواتنا
حكامنا آلهة يجرى الدم الأزرق فى عروقهم
ونحن نسل الجارية
لا سادة الحجاز يعرفوننا ...ولا رعاع البادية
ولا أبو الطيب يستضيفنا ..ولا أبو العتاهية
إذا مضى طاغية ٌ
سَـلـَّمنا لطاغية
*************************
مهاجرون نحن من مرافيء التعبْ
لا أحـدٌ يُريدنا
من بحرِ بيروت إلى بحرِ العربْ
لا الفاطميون ...ولا القرامطة
ولا المماليك …ولا البرامكة
ولا الشياطين ..ولا الملائكة
لا أحـدٌ يُريدنا
لا أحـدٌ يقرؤنا
فى مُـدنِ الملح التي تذبح فى العام ملايين الكتب
لا أحد يقرؤنا
فى مدنٍ صارت بها مباحث الدولة عرّاب الأدب
******************
مسافرون نحن فى سفينةِ الأحـزان
قائـدنا مرتزق
وشـيخنا قرصان
مكومون داخل الأقفاص كالجرذان
لا مرفأ ٌ يقبلنا
لا حانة ٌ تقبلنا
كل الجوازات التى نحملها
أصدرها الشيطان
كل الكتابات التى نكتبها
لا تعجب السلطان
*****************
مسافرون خارج الزمانِ والمكانْ
مسافرون ضيعوا نقودهم ...وضيعوا متاعهم
ضيعوا أبناءهم ..وضيعوا أسماءهم..وضيعوا إنتماءهم..
وضيعوا الإحساس بالأمانْ
فلا بنو هاشم يعرفوننا ..ولا بنو قحطانْ
ولا بنو ربيعة ..ولا بنو شيبانْ
ولا بنو "لينين" يعرفوننا ..ولا بنو "ريجانْ"
يا وطني ..كل العصافير لها منازل
إلا العصافير التى تحترف الحرية
فهى تموتُ خارج الأوطانْ