[color=black][size=18]القبالا اليهودية ومفهومها
هى مجموعة التفسيرات والتاويلات الباطنية والصوفية عند اليهود. والاسم
مشتق من كلمة عبرية تفيد معنى التواتر او القبول او التقبل او ماتلقاه المرء عن السلف اى التقاليد والتراث وكان يقصد بالكلمة اصلا تراث اليهود الشفوى المتناقل فيما يعرف باسم الشريعة الشفوية وقد اطلق العارفون باسرار القبالاة على انفسهم لقب) العارفون بالفيض الربانى(وكان القباليون يرون ان المعرفة لاسرار الكون توجد فى اسفار موسى الخمسة وهم يرفضون تفسير الفلاسفة المجازى او التفسير الحرفى فقد كانوا ينطلقون من مفهوم غنوصى باطنى يفضى الى معرفة اسرار الكون وبنصوص العهد القديم وحسب رايهم ان التوراة هى مخطط الاله للخلق كله وينبغى دراسة كل كلمة فيها لانها تمثل رمزا وكل علامة او نقطة فيها تحوى سردا داخليا . والقبالاة هو الذى وضع اسس التفسيرات الصوفية الحلولية فى التراث اليهودى وحل محل التوراة والتلمود واصبحت الحركة الصهيونية الحالية هى النقطة التى تظهر عندها الحلولية بدون اله واصبحت واحدة من ثمارات القبالاة فى الوقت الحالى. وان هذة الحلولية فى التصوف اليهودى يصدر عن الايمان بالوحدانية الكونية حيث يحل الاله فى الطبيعة والانسان والتاريخ اى) الاله والشعب والارض( ويتوحد معها ويصبح قانون واحد وهو القانون الغنوصى الباطنى ان يتحكم فى العالم كله من خلال التفسيرات الباطنية وكتابة التعاويذ وتحضير السحر والبحث عن الصيغ التى يمكن من خلالها التاثير فى الارادة الالهية ثم التحكم فى الكون وحتى لو اخذ هذا التصوف شكل الزهد فالهدف من الزهد ليس تطويع النفس وانما الوصول الى الاله والالتصاق به والتوحد معه والفناء فيه ليصبح المتصوف عارفا بالاسرار
الالهية ومن ثم يصبح هو نفسه الها او شبيها بالاله.ويختلف التصوف اليهودى
عن التصوف المسيحى حيث ان هدف التصوف المسيحى هو الاتحاد بالاله بينما هدف التجربة الصوفية اليهودية هو الاتصال مع الاله والالتصاق به وان كان ثمة اختلاف بين التصوفين المسيحى واليهودى فهو فى الهدف من عملية التوحد وفى نتيجته فالهدف فى التصوف المسيحى هو الفناء فى الذات الالهيه والثمرة هى السكينة حسب اعتقادهم اما فى التصوف اليهودى فالهدف هو التوحيد مع الذات الالهية للتأثير فيها والثمرة هى التحكم والتجليات النورانية هى ولاشك تعبير عن عودة الى التفكير الاسطورى والاساطير الاغريقية بالهتها والهندوسية ايضا. ويصبح هنا التصوف الحلولى فى اليهودية شكل من اشكال العلمانية اذا ان التصوف اليهودى ذو اتجاه حلولى وغنوصى قوى فالمتصوف اليهودى لايتجه نحو تطويع الذات الانسانية الفردية وخدمة الاله
وانما يحاول الوصول الى فهم طبيعة الاله من خلال التأمل والمعرفة بهدف التأثير فى الاله والتحكم الامبريالى فى الواقع ومن هنا كان ارتباط القبالاة بالسحر. والقبالة كما هو معروف مذهب سحرى سرى بدا العالم يعلم بوجوده عندما نشر كتاب القبالى اليهودى الاسبانى موشة بن شم توف فى اواخر القرن الثالث عشر الميلادى. وقد تطورت القبالاة بمعناها الحالى والتى ظهرت فى فرنسا وكان من اهم العارفين بالقبالاة ابراهيم بن داود وابنه اسحاق الاعمى فى القرن الثانى عشر وانتقل مركز القبالاة بعد ذلك الى اسبانيا حيث نشأت حلقات متصوفة تحاول ان تتواصل مع الاله خلال التأمل فى التجليات النورانية العشرة كما كان هؤلاء المتصوفون يهدفون الى الكشف الالهى ومن خلال التأمل فى حروف الكتاب المقدس عندهم وقيمها العددية واسماء الاله المقدسة وقد وصلت الحركة القبالية الى قمتها بظهور الزوهار
الذى وصفه دى ليون المتوفى عام 1305 ميلادية وكانت مدينة جيرونا فى كتالونيا من اهم مراكز القبالاة فى اسبانيا وقد قام القباليون بانشاء مركز لهم فى مدينة صفد فى فلسطين عام 1431 م وكان شيوع القبالاة فى هذه المرحلة تعبيرا عن رفض التراث التلمودى الذى وضعه الحاخامات الذين ارتبطوا بالطبقات الثرية وبيهود البلاط فى اسبانيا وقد ساهمت القبالاة فى عزل اعضاء الحماعات اليهودية عن هذا التراث الفلسفى العقلانى الذى اشاعه موسى بن ميمون وغيره من الفلاسفة اليهود المتأثرين بكتابات الفلاسفة العرب وازداد الاهتمام بالقبلاة بعد طرد يهود اسبانيا وتصاعد الحمى المشسحانية وخلاص جماعة اسرائيل وظهرت مجموعة اخرى بقيادة اسحق لوريا الذى طور المفاهيم القبالية وسميت)القبالاة اللوريانية( مقابل القبالاة الزوهار ولعل من اهم اسهامات لوريا فى القبالاة هى مشاركة الانسان اليهودى الحرفية مع الاله وليس المجازية فى عملية الخلاص الكونية وعودة جماعة اسرائيل وانتصارها كخطوة اساسية فى هذه العملية وقد سيطرت هذه
الحركة على اليهود ابتداء من القرن السادس عشر وكان تأثير القبالاة عميقا فى الوجدان اليهودى ويظهر ذلك فى الصلوات والادعية والتسابيح والابتهالات اى ان تأثير القبالاة فى الحياة اليومية يفوق فى عمقه تأثيرها فى الامور ذات الطابع التشريعى والفقهى. وكان العالمون بأسرار القبالاة يعتبرون انفسهم اعلى منزلة من الحاخامات ويسخرون منهم وقد سيطرت فى نهاية الامر حتى على مؤسسة الحاخامية نفسها. وكانت فترة مابين عامى 1630 و1640 على انها الفترة التى احكمت فيها القبالاة اللوريانية سيطرتها شبه الكاملة على الفكر الدينى اليهودى ومع حلول القرن التاسع عشر ظهرت الحركة الحسيدية التى اكتسحت يهود شرق اوروبا ولكن بمرور الزمن والتطور الحضارى فى العالم وحركة التنوير قلت قوة هذه الحركات وجاءت الصهيونية واصبحت هى الوريثة الشرعية للتراث البالى واصبحت مشيحانية نشطة اذ يؤكد الصهاينة عملية خلاص الشعب اليهودى الذى ياخذ شكل العودة الى
صهيون دون انتظار المسيح المنتظر وقد عبرت عن نفسها فى بداية الامر من خلال رؤية حلولية تبشر بالخلاص القومى وترابط الثالوث الحلولى )الاله والشعب والارض( واصبح من اهدافها القبالاة العلمية وهى الاستيلاء على الارض ونقل اليهود الى فلسطين ونقل العرب منها بدون انتظار نزول المسيح المنتظر والذى عند نزوله فى نهاية التاريخ ستشهد الارض علو جماعة اسرائيل على العالمين ودمار اعدائهم من الشعوب الاخرى حسب زعمهم. وقد اتخذت الحركة الصهيونية العالمية بأهدافها السرية ومنظماتها الماسونية منذ اواخر القرن الماضى التاسع عشر من نجمة داود رمزا وطنيا يهوديا وشعارا لها. والثابت بالاْدلة ان نجمة داود لم يصبح ملحوظا كرمز يهودى الا عندما ادخلته طائفة القرائين واستخدمته القبالة فى اوروبا فى اخريات العصر الوسيط ثم شاع استخدامه بذلك الوصف كرمز للهوية اليهودية على ايدى القبالين الاواخر. اذا ان نجمة داود وصل الى عالمنا المعاصر من خلال كتابات القبالين وهى كتابات فى افضل حالاتها دائرية كثيرة الالتواءات والمنعطفات
مغموسة فى الغموض فجعلوه فى مبدأ الامر تميمة سحرية لحماية الحوامل والمواليد من شر حواء زوجة ادم وللوقاية من السحر والابالسة والعين الحاسدة ثم اخذه الصهيونيون من القبالة فجعلوه رمزا للهوية الوطنية اليهودية وعلما لدولة اسرائيل فى انتظار ان يكون علما يرفرف فى وجه العالم منتظرا اليوم الذى يرفع فيه صهيون على كوكب الارض وتخرج الشريعة من صهيون كما توعد النبى اشعيا بن اموص حسب زعمهم واعتقادهم وتفسيراتهم الدينية. ولم تتناول القبالاة علاقة الاله بنفسه او علاقته بالبشر ورؤية الكون وفكرة الشر وحسب وانما حاولت ان تقدم رؤية للتاريخ اخذت شكل الدورات الكونية وحسب هذا الراى يتكون الزمان الكونى اى تاريخ الكون
من البدء حتى النهاية من سبع دورات تتكون كل واحدة منها من سبعة الاف عام وتتكون كل دورة من وحدات طول كل واحدة منها سبع سنوات فى نهاية كل منها تقع السنة البتية سيحطم الاله العالم فيعود الى حالة الهيولى او الفوضى الاولى ثم تبدا دورات اخرى جديدة ويمكن التوصل الى ان الدورة الزمنية الاخيرة سترى سيادة اعضاء جماعة اسرائيل وبانتصارهم وغنى عن القول ان فكرة الدورات الكونية تلغى اى احساس بالتاريخ وتركز على البدايات والنهاريات فقط وخلاصة الموضوع يمكن القول بان القبالاة وتراثها وطريقتها فى تفسير النصوص اليهودية المقدسة وايمانها بالحل السحرى وبالخلاص القومى اخذت تسيطر بالتدريج على الوجدان اليهودى الدينى ابتداء من القرن الرابع عشر وهيمنت عليه تماما مع نهاية القرن الثامن
عشر كل انبياء بنى اسرائيل لم يحددوا وقتا او الزمن الذى سيتحقق فيه خلاص بنى اسائيل لان ذلك من الامور الغيبية التى خبأها الله عنهم الا ان النبى دانيال يذكر عدتها فى اواخر الايام عند ظهور المسيح المنتظر قوله سبعون اسبوعا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الاثم الى ان يقول سبعة اسابيع واثنان وستون اسبوعا يعود ويبنى سوق وخليج فى ضيق الازمة. وان دانيال لم ينص على كيفية حساب هذه الايام والاسابيع والازمنة مما حدا ببعض اليهود الى القول بأن كلمات النبى دانيال يمكن ان تكون هذه الاعداد ذات دلالة رمزية لان الاعداد هنا غامضة.