مدينة ابن بطوطة وأرض الأساطير
طنجة .. أصالتها عربية ومناظرها أوروبية
طنجة مدينة باذخة في موقعها. تجلس في استعلاء أسطوري على حافة مضيق جبل طارق وتتأمل العالم منذ آلاف السنين من دون أن يرف لها جفن. إنها مدينة تحس باستعلاء على كل شيء لأنها سبقت التاريخ. في هذه المدينة التي ينظر إليها الناس بإعجاب يمكن أن يعثر الزائر على كل ما يريد. إنها على مرمى حجر من أوروبا، ومن ضفاف شواطئها يمكن رؤية الشواطئ القريبة لجنوب أوروبا. هناك تبدو القرى الإسبانية التي كانت يوما جزءا من الدولة الأندلسية التي ذهبت بها رياح التاريخ ولم يبق منها سوى ذكريات بعيدة.
المدينة القديمة في طنجة فسيفساء في المعمار وفي البشر. المنازل خليط من المعمار الموريسكي الأندلسي والعربي والإسباني والبرتغالي والفرنسي والإنجليزي، والناس فيها خليط من كل مناطق المغرب، لكن سحنات سكانها الأصليين متميزة.
وفي منطقة السوق الداخلي، وهو مركز دولي سابق لكل الأجناس عندما كانت المدينة خاضعة للانتداب الدولي، يمكن للزائرين أن يشموا رائحة التاريخ وهم يجلسون في مقهى «سنترال» بين أصص الورود، وبهرجة السكان الذين تعودوا على التعامل مع كل أنواع وأجناس الزوار الذين يأتون من كل مكان.
أزقة المدينة القديمة متاهة حقيقية بمتاجرها وبازاراتها وضجيجها وروائح توابلها ومطاعمها الصغيرة والكبيرة التي يمكن أن تمنح أكلة بدولار واحد، أو بعشرة أو بأكثر. كل شيء يتعلق برغبة الزائر وذوقه.
أزقة المدينة القديمة تقود جنوبا نحو الميناء الذي يعتبر بوابة افريقيا على أوروبا، وهو معبر لملايين السائحين كل عام، والبواخر السريعة تعبر المضيق في أقل من ساعة ليجد السائح نفسه في أوروبا أو في افريقيا. وشمالا يجد الزائر نفسه في مرتفعات «الحافة» بقصورها الأوروبية القديمة والحارات العتيقة. في منطقة «القصبة» يرقد جثمان الرحالة العالمي الشهير عبد الله بن بطوطة الذي مات قبل أكثر من 600 عام، هذا الرحالة الطنجي جاب أصقاع العالم ووصل مجاهل افريقيا وأصقاع آسيا وأوروبا في رحلة بدأها بعد أن تجاوز العشرين من عمره بقليل. إنه ابن طنجة الأكثر شهرة. قرب قبر ابن بطوطة يوجد متحف القصبة، وهو يوجد في ساحة توجد بها الكثير من المآثر التاريخية، السجن القديم ومستشفى الأمراض العصبية والمدرسة القديمة والثكنة وساحة الحفلات الرسمية والشعبية، وفي مدخل السور القريب يتطلع السكان من علٍ إلى البحر.
خارج أسوار السوق الداخلي تنفتح المدينة على فضاء كبير اسمه «السوق البراني»، أو السوق الخارجي. لم يعد اليوم سوقا كما كان من قبل، لكنه لا يزال يحتفظ بالكثير من وهج الماضي، وعلى طرفه الجنوبي «حدائق المندوبية» التي تؤرخ لفترة زاهية من تاريخ المدينة، وفيها يعثر الزائرون على تلك الشجرة الأعجوبة التي ظلت صامدة لمئات السنين. وفي مرتفعات «مرشان» شمالا، توجد صخرة عملاقة بها حفر لم تكن سوى قبور رومانية ظلت بلا أموات. إنها شاهدة على حضارات كثيرة مرت من هنا. هذه المدينة أغوت الأمم والحضارات السابقة باستيطانها، وعبرتها شعوب كثيرة وتركت فيها رسومها وأطلالها شاهدة على أن الأمم والحضارات على أشكالها تقع مهما كان جبروتها وقوتها وعظمتها.
المدينة العصرية في طنجة لا تفتقر إلى أي شيء. فنادق من آخر طراز ومقاه فارهة ومطاعم تقدم كل وجبات العالم، وأكلات مغربية من كل الأشكال. الزوار الذين يحبون الفضاءات المفتوحة يمكن أن يتوجهوا جنوبا نحو مياه المحيط الأطلسي، حيث الشواطئ الممتدة على مسافة كيلومترات طويلة، هذه المنطقة تبدأ من «أشقار» أو «كاب سبارطيل»، حيث يلتقي البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي، في اتجاه مدينة أصيلة المجاورة.
أماكن الترفيه العائلية فيها يمكن العثور عليها مثلا في مجمع «منار بارك» على الجهة الشرقية للمدينة، حيث يمكن العثور على إقامات للسكن تجاور حدائق ألعاب ومسابح ومطاعم ومقاهي وألعابا للأطفال، وحتى للكبار لو أرادوا. وجنوبا هناك نادي الرماية، غير بعيد عن مطار ابن بطوطة، حيث يمكن لهواة الرماية أن يستمتعوا بهوايتهم المفضلة.
أما الراغبون في النزهات الطبيعية فإن غابات مديونة ومسنانة والرهراه، تمنحهم كل المتعة اللازمة. طنجة آخر مدينة في العالم يمكن أن تعوزها الأساطير. إن عمرها الذي لا يقدر بالسنين ولا بالقرون يجعلها واحدة من مدن قليلة بالعالم تسبح في بحر الميثولوجيا إلى حد يجعل البعض يقولون إنها أول مدينة ظهرت على وجه الأرض بعد الطوفان. وتقول الأسطورة إن السفن التي كانت تمخر عباب الماء من غير هدى بعد الطوفان رأت النوارس تحط على السفن وعليها آثار الطين. عند ذلك صار ركاب تلك السفن يصرخون في هستيريا الفرح «الطين جا... الطين جا»، أي جاء الطين. وعندما وصلت السفن إلى تلك البقعة التي كانت لوحدها على سطح الماء الذي غمر الكوكب سموها «طينجا»، وهي الآن طنجة.
ولأن الأساطير لا تولد إلا لكي تتناسل، فإن الآلهة القدامى الذين كانوا يتحكمون في مصائر البشر، حسب ميثولوجيا الإغريق، لم يجدوا مكانا يأوون إليه، على الرغم من صفاتهم وقوتهم الخارقة، إلا مدينة طنجة، وهكذا تصارع في هذه المدينة آلهة كثيرون ودفن فيها آخرون بعد أن قتلوا على أيدي خصومهم أو أدركتهم الشيخوخة بعد آلاف السنين عاشوها صاخبة في صراعهم مع قوى متسلطة وخارقة.
وتقول الأسطورة: إن جبل موسى الشاهق والموجود على بعد حوالي 40 كيلومترا من مدينة طنجة ليس سوى الكتف الأيمن للإله «أطلس» حارس مضيق جبل طارق، وأن الكتف الآخر ليس سوى صخرة جبل طارق، المستعمرة البريطانية الموجودة في أقصى الجنوب الإسباني. وإذا ما تم حساب ذلك بالأرقام فإن المسافة بين كتفي أطلس تصل إلى أزيد من أربعة عشر كيلومترا، وأن جسده يوجد تحت الماء، وكأنه يستعد في أي وقت للنهوض رغم أن لا أحد يتمنى أن يعود، أو يحرك كتفيه على الأقل.
وتضيف الأسطورة أن العملاق أطلس كان يحرس المضيق لأنه كان بمثابة منزله الأسري، فزوجته وأولاده كانوا يعيشون داخل مياهه.
لكن هذا الجبل، يحمل أيضا اسم موسى بن نصير، راعي فتح الأندلس قبل حوالي 1400 عام. ويبدو مضيق جبل طارق الذي يفصل بين إفريقيا وأوروبا من فوق جبل موسى مثل نهر صغير يفصل بين شاطئين، بل إنه يبدو في الأيام الصحوة والصافية مثل طريق معبد تعبره السفن كما تعبر السيارات الطريق السيار.
وتقول كتب التاريخ إن إفريقيا كانت متصلة بأوروبا في غابر الزمن عبر هذه النقطة الجغرافية، ثم تأتي الأسطورة لتقول إن هرقل، الرجل الخارق، دخل يوما في صراع قاهر مع الإله أطلس في صراع على فاتنة روّعت العالم بجمالها، فقرر فصل القارتين بذراعيه القويتين، وهكذا تباعدت القارتان بمسافة 14 كيلومترا. وتضيف الأسطورة ان أطلس الذي انهزم في صراعه مع هرقل، غرق تحت المياه التي كانت تنهمر في شلالات عملاقة من المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط بعد فصل القارتين، وأن هرقل سكن المغارة التي لا تزال تحمل اسمه، وهي على الطريق الغربي من المدينة على شاطئ المحيط الأطلسي ويزورها كل يوم آلاف الزوار.
ومن مضيق جبل طارق عبر الإنسان القديم، إنسان النياندرتال، قبل ملايين السنين، والذي عثر علماء الآثار أخيرا على الكثير من آثاره بين طنجة وسبتة.
وكان المضيق أيضا شاهدا حقيقيا على نكبة الأندلسيين، حين بدأ طرد مئات الآلاف منهم من طرف الملوك الإسبان الكاثوليك المتحالفين مع الكنيسة، وأصبحت مراكبهم الخشبية المتهالكة تعبر البحر من الشمال إلى الجنوب، وهم يبحثون عن مأوى جديد لهم بعد أن فقدوا كل شيء. وعلى طول الشواطئ التي تفصل مدينة طنجة عن مدينة سبتة بأقصى المنطقة الشرقية من المضيق، فإن هناك الكثير من الحقائق والأساطير التاريخية التي ما زالت تستند على أشياء كثيرة في الواقع.
* شواطئ ومناطق طنجة امتداد للجنوب الإسباني، والغابات والنباتات التي تغطي جنوب إسبانيا هي نفسها التي تنتشر في منطقة طنجة، وهذا ما دفع الكثير من المقاولات السياحية في إسبانيا إلى التوجه جنوبا وإنشاء فنادق ومركبات سياحية ترى فيها تكملة لمشاريعها في إسبانيا.
شواطئ المنطقة تعد من أروع شواطئ البلاد، وهي في أغلبيتها الساحقة شواطئ عذراء يجد فيها المصطافون سلواهم بين بحر صاف كالمرآة، وبين غابات وخضرة الجبال.
مرتفعات وهضاب المدينة متعة أخرى، في مرتفع الرميلات عزلة بين الجبل والغابة والبحر. هناك يتذوق الزائرون الشاي الأخضر المغربي، بينما طيور النورس تحلق قريبا من رؤوسهم.
معمار طنجة مزيج هائل من كل شيء. منازل عربية قديمة في أطراف المدينة ووسطها. في حي القصبة العتيق المشرف على البحر يمكن العثور على رياضات توفر خدمات لا تتوفر أحيانا في الفنادق. هناك رياضات فاخرة كثيرة وفنادق صغيرة غير مصنفة في المدينة القديمة، بينما توجد الفنادق العصرية في المدينة الجديدة.
فندق «المنزه»، الذي ينزل فيه زوار المدينة والمغرب من الشخصيات الشهيرة، يوجد في شارع الحرية في قلب المدينة قبالة مقر القنصلية الفرنسية، هذه القنصلية التي تعتبر أيضا تحفة تاريخية ومعمارية. على كورنيش الشاطئ البلدي في وسط المدينة توجد الكثير من الفنادق من فئة 3 نجوم فما فوق. وهناك فنادق عصرية في مختلف فنادق المدينة. العثور على فندق أو الحجز فيه يتم اليوم بأكثر الطرق سهولة. يكفي دخول الإنترنت والبحث في بوابة طنجة للحجز مباشرة. فجميع الفنادق والرياضات المتميزة وضعت خدماتها في متناول رواد الشبكة. ليس هناك أسهل من المجيء لطنجة، وليس هناك أسهل من الشعور بالألفة الكبيرة بين جنباتها. إنها مدينة تألف وتؤلف أكثر من أي مدينة أخرى في المغرب.