انعدام الحرية الدينية في أمريكا
بقلم عادل سالم
منذ أكثر من ثلاثة شهور والإعلام الأمريكي، خصوصا الصحافة المكتوبة تشن هجومها المبطن على إحدى أقسام طائفة المورمَن في ولاية تكساس الأمريكية، بعد الحملة التي شنتها حكومة الولاية على مجمع تابع لهم واحتجزت فيه أكثير من أربعمئة طفل معظمهم من (الاناث) بسبب ما ادعته الحكومة وجود خطر يحيق بهؤلاء الأطفال حيث تتهم الحكومة تلك الطائفة بأنهم يزوجون بناتهم في سن مبكر ويسمحون بتعدد الزوجات التي يمنعها القانون الأمريكي، وقد جاء رد محكمة الاستئناف مفاجئا للحكومة عندما أكد أن الحكومة فشلت في تقديم أدلة تثبت أن كل الأطفال المحتجزين يتعرضون لأخطار مباشرة ما عدا خمسة منهم وأطلق سراح الباقي.
وقبل الخوض هنا في معتقدات المورمن ومقعهم في الدين المسيحي أود الإشارة إلى أن حملة التحريض ضد هذه الطائفة مثل: الجماعة المسيحية المتطرفة، جماعة كنيسة المسيح المتطرفين…..الخ يمكن أن تشم فيها رائحة العنصرية الكريهة التي تواجه كل الأقليات بما فيهم المسلمون في الولايات المتحدة.
إن القوانين التي شرعها الأمريكيون الأوئل حول حرية الأديان في الولايات الممتحدة، لم تكن في الواقع سوى تعبير عن حالة حروب من العداء الديني بين الطوائف المسيحية الأمريكية. وكون الدين لا يدرس في المدارس الحكومية فلا يعني ذلك أن الشعب هنا لا يهتم بممارسة طقوسة الدينية بل يعني ذلك تصدير تلك المهمة إلى الكنيسة التي تنشط في هذا المجال.
وللعلم فإن الأغلبية الساحقة من المدارس الخاصة في الولايات المتحدة ( حيث التعليم الأفضل)هي في الواقع مدارس طائفية تدرس الدين المسيحي حيث تعاليم الكنيسة التي تنتمي لها المدرسة. وعلى من يدرسون في تلك المدارس أن يدرسوا تلك التعاليم حتى لو لم يكونوا من نفس الطائفة.
قد تكون الأمور اليوم أفضل بقليل ولكن لا زالت العنصرية قائمة حتى في الممارسات اليومية.
أحد المحامين قال لي:
- ( لا زلت أتذكر كيف قاطَعَتْ جدتي من أمي ابنتها(عمتي) لأنها أصبحت كاثوليكية فيما نحن تابعون للكنيسة اللوثرية. لم تعد تتصل بها ، ومنعتها من زيارتها وعندما توفيت عمتي رفضت جدتي المشاركة في جنازتها).
وقال لي مواطن آخر:
- ( كانت أمي تمنعني من مخالطة ابن الجيران لأن أهلة من طائفة أخرى غير طائفتنا). فكيف تعتقدون حال المسلمين في الولايات المتحدن؟ حالة العنصرية الدينية يزداد في الريف أو القرى والمدن الصغيرة أ:ثر من المدن الكبيرة المختلفة.
وقد عانى المورمن منذ نشوئهم قبل 150سنة من حالة العداء ضدهم فاضطروا للهجرة إلى الولايات الجديدة التي لم تكن قد تأسست بعد مثل يوتا، مونتانا، آيداهو، وقاموا بتاسيس أول جمعية للكنيسة عام 1880.
ولم بعد المورمن طائفة واحدة فقد خرج عن الكنيسة الأم فيما بعد بعض الجماعات منهم جماعة تكساس الذين اعتبرواأن الكنيسة الأم قد خرجت عن التعاليم المسيحية الصحيحة. فالكنيسة الأم الغت منذ القرن الماضي فكرة تعدد الزوجات وأعلنت التزامها بالقانون الأمريكي حول هذا الموضوع.
لكن بشكل عام فإن المورمن يؤمنون بنقطتين تميزانهم عن بقية المسيحين، بل وتجعلهم عرضة للتحريض بسببهما.
الأولى: يرى المورمن أن المسيح علية السلام ابن الله ، ولكنه كان نبيا ولم يكن إلها، فيما يرى المسيحيون من الطوائف الأخرى( ما عدا شهود يهوى الدين يشاطرونهم هذا الرأي) أن المسيح ابن الله وأنه في مرتبة الرب.
ثانيا: يعتبر المورمن رئيس جميعتهم (جمعية سليمان) هو نبي يوحى له الله تعاليمه ووصاياه. فكل رئيس لهم منذ الرئيس الأول حتى الحالي السادس عشر هو نبي. والرئيس الحالي لهم يدعى توماس سبنسر مانسِِِن خلف الرئيس السابق منذ كانون ثاني 2008. لكن كل فئة من طائفة المورمن لهم رئيسهم الخاص. وبالتدقيق جيدا في وضع المورمن هنا نرى مجمعة تكساس هي المجموعة الأشد فقرا في حين يتمتع أعضاء الكنيسة الأم بوضع مالي جيد.
تدعي الكنيسو الأم طقوسهم السرية أن كل عضويصل سن 18سنة يحب أن يخدم عامين لصالح الكنيسة ترسله للعمل في إحدى فروعها في امريكا أو العالم، واسمها الرسمي كنيسة يسوع المسيح. وترسل الكنيسة شهريا أو كل فترة أحد مرشديها الي بيوت الأعضاء خصوصا الجدد للتأكد أ،هم يعملون حسب وصايا الكنيسة وتعاليمها. وأ‘ضاء الجمعية يعينون أعضاءها. وكل عضو ملترم يدفع عشرة في المائة من راتبة لصالح الكنيسة. وللجمعية مجلس رئاسي يتكون من 12 عضو يسمى مجلس الأسباط الاثناعشر نسبة لأسباط بني إسرائيل.
طائفة المورمن أكثر التزاما بقضايا الجنس حيث يعتبر محرما لديهم قبل الزواج وهم أ:ثر احتشاما من ملابس النساء من بقية أفراد المجتمع الأمريكي، أما طائفة تكساس فهم أكثر تعصبا. وملابس النساء طويلة حتى القدمين وهم بذلك قريبون من مجموعة يطلق عليها اسم الآمش. لا زالوا يلبسون الملابس التقليدة الاوروبية للنساء منذ أكثر من 200 سنة .
وهؤلاء(الآماش) اصولهم هولندية، وهم موجودون في الجنوب في ولايات مثل نبراسكا واوكلاهوما. هذه الطوائف تعتبر نفسها الأكثر التزاما بالدين والأقرب للمسيحية ولا يعترفون بالوصايا والتعاليم الجديدة للكنيسة. ولا يؤمنون (بالبوي فرند ولا جيرل فردن).
أما حول الزواج المبكر التي اثيرت زوبعة حولها في تكساس يجدر التنويه أ، بعض الولايات هنا تسمح لمن هم في سن 14 بالزواج فيما الأغلبية لا تسمح لمن هم أقل من 16. فالمسالة مثار جدل حتى لدى المشرعين الأمريكيين أنفسهم، في السنوات الماضية قرأت عن مواطن تزوج في ولاية فتاة عمرها 14 سنة وعندما سكن في ولاية اخرى اعتقلوه بتهمة الاعتداء الجنسي في زوجته وسجنوه رغم أن زوجته أقرت أنها زوجته وتحبه!! للعلم فان ممارسة الجنس خارج الزواج لشاب وفتاة أقل من 16 سنة لا يعاقب عليها القانون لكن الزواج ممنوع(!!)، ولله في خلقه شؤون.
قبل عدة سنوات رفضت المهاجرة الأمريكية طلب أحد المواطنين العرب لانه متزوج من إبنة عمه وهذا مخالف لقوانين ولاية منسوتا التي يسكن فيها. فذهب الزوجان إلى لاس فيجاس(ولاية نيفاذا) وأقاما بها أسبوعا فأصبحا من مواطنيها، وهناك تزوجا لأن القانون في لاس فيجاس لايمنع الرجل من الزواج من إبنة عمه أو خاله وعادا بعد ذلك إلى منسوتا ليقدما الطلب إلى المهاجرة فقبلته!
اليست القوانين الأمريكية أحيانا مدعاة للسخرية؟! أليس غريبا إثارة كل تلك الضحة حول طريقة زواج طائفة المورمن(مع أنني لست من مؤيديها) فيما يسمح القانون للواطيين والسحاقيات الزواج وباعتراف بعض الكنائس الأمريكية؟!