اليزيدية، تاريخ عراقي أصيل
معد فياض/ لندن
لقد اتهم اليزيديين دوما بالكفر والمروق على الدين، و«عبادة الشيطان»، رغم انهم ينفون ذلك بشدة، مؤكدين انهم مؤمنون بالله، ويعتبرون ان النبي ابراهيم هو جدهم الكبير، وينفون ايضا تهمة «عبادة الشيطان». ويقولون ان هذه التهم هي التي عرضتهم لأنواع من الاضطهاد والمذابح خصوصا في حقبة الدولة العثمانية ابان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وشنّت العديد من الحملات ضدهم من قبل الولاة العثمانيين في بغداد والموصل وديار بكر، فضلا عن استئصال الحملات الفارسية لهم وخصوصا حملة نادرشاه في العام1743 .
ويقول مؤرخون إن حروب ابادة عثمانية (بواسطة الأغوات المتعصبين الاكراد)، شنت ضد يزيديي جزيرة ابن عمر في منطقة الجزيرة وشمال العراق، وتم ذبح الآلاف منهم في جبل سنجار لإجبارهم على التخلي عن دينهم. وفي عام 1847م حاولت الحكومة العثمانية إجبارهم على الخدمة العسكرية باعتبارهم طائفة إسلامية ومن الذين يتبعون الملة العثمانية، وبعد حملات ومذابح ابادة لا حصر لها اضطر الكثير منهم للجوء للكنائس وإعلان مسيحيتهم للتخلص من الاضطهاد العثماني، حسب ما يقول سيار الجميل. ويشير الباحث العراقي الى ان الهجمات والمذابح تكررت ايضا في عام 1872 لنفس الدواعي، ووقعت اضطهادات محلية في مناطق مختلطة يقوم بها امراء عشائر وقبائل بكل همجية ووحشية. ويشير المؤرخون الى ان اليزيديين صمدوا وحافظوا على هويتهم الدينية في المناطق العراقية الخالية من خصومهم.
ويقول المؤرخ سيار الجميل، الذي أعد دراسة عن هذه الطائفة، «اسجّل هنا للتاريخ ما كتبه العديد من مؤرخي الموصل في كتبهم التي لم يزل بعضها مخطوطا، عندما كتبوا تفصيلات لتلك الحملات التي كانت تقوم بها السلطات المحلية بأوامر من المركز والعاصمة العثمانية، اضافة الى صراعات العشائر في ما بينها، وكانت صراعات دموية مريرة لا تحسمها إلا سلطات الادارة في الولايات. ومن اشنع المذابح التي حصلت ضد اليزيدية تلك التي قام بها ميركور (الاعور) أمير راوندوز في القرن التاسع عشر.. كما حاولت البعثات التبشيرية الأوروبية كسبهم الى المسيحية بدون ان تحقق نجاحاً ملحوظاً. واليزيدية معروفة تاريخيا بانها طائفة، ويفضل أن يطلق عليها (الملة) اليزيدية، كونها ديانة خاصة تمتدد جذورها الى الامبراطوريتين البابلية والآشورية. وحسب امير اليزيدية انور بن معاوية الاموي فان اليزيدية كديانة مرت بمرحلتين مختلفتين، المرحلة الاولى: ديانة نابوة أي (عبادة الشمس) وذلك في ايام الامبراطوريتين البابلية الاشورية. ولهم معبد في خورسابات، عاصمة الامبراطورية الاشورية ويطلق عليه اسم (أيزيدا) وكذلك في بابل. والمرحلة الثانية هي مرحلة وصول الشيخ عدي بن مسافر الاموي من بيت الفار في بعلبك واستقراره في شمال العراق (40 كيلومترا شمال محافظة الموصل). ويعتبر مرقد الشيخ عدي بن مسافر الاموي اقدس مكان في العالم وحجة لكافة اليزيديين. فهو من المجددين للديانة اليزيدية حيث قام بمزج معالم الديانة النابوية (عبادة الشمس) بمعالم الديانة التي يؤمن هو فيها والتي اتى بمبادئها معه وخرج بطابع ديني جديد اطلق عليه تسمية اليزيدية.
والف الامير انور، كتاب (اليزيدية.. تاريخ وعقيدة ومجتمع)، كما شارك في تأليف كتاب (اليزيدية في ميسوبوتاميا) أو بلاد ما بين النهرين، ومشاركته في تأليف كتاب (جدل الهويات) و(اليزيدية) باللغة السويدية، الى جانب كتابته العديد من المقالات وتقديمه العديد من المحاضرات في شتى انحاء اوروبا عن هذه الطائفة.
ويشرح انور كلمة «أيزيدا» التي اشتق منها اسم الطائفة، قائلا : ان الكلمة مكونة من ثلاثة كلمات آشورية، وهي «نذهب لبيت الحق»، ويستطرد، قائلا ان معالم التراث البابلي والاشوري موجودة في الاعياد واللبس والرقص اليزيدي، ذلك ان اهم اعياد اليزيديين هو عيد رأس السنة الذي يصادف في اول اربعاء بعد 12 يوما من شهر نيسان من كل عام. واليزيدييون حتى اليوم يعتمدون على التقويم الشرقي أي البابلي والاشوري.
أن مركز سكناهم هو العراق وبالتحديد شمال العراق في الموصل ودهوك والمنطقة الممتدد من بعشيقة وبعزانية الى منطقة الشيخان (شمال شرق) والى شمال منطقة دهوك وزاخو وقضاء سنجار. ويبلغ عددهم في العراق المليون نسمة تقريبا (هناك من يرجح ان عددهم اقل من ذلك في العراق) مشيرا الى ان عدد اليزيديين يتراوح ما بين 300 الف الى 500 الف). ويقيم اليزيديون في سورية في محافظة الحسكة وعفرين وحلب. وفي تركيا غالبا ما يوجدون في مناطق اورفا ووران شهر وديار بكر ومديات، كما توجد اعداد منهم في جورجيا وأرمينيا وروسيا واوروبا، خاصة في المانيا.
والامير انور والده هو الامير معاوية بن الامير اسماعيل بك بن عبدي بك بن علي بك الذي استشهد في منطقة «كلي علي بك» على يد الاكراد، وسمي الشلال باسمه في شمال العراق عام1831.
ويرفض الامير انور تغيير تسميتهم من اليزيدية الى الأزيدية، ويقول «ان دعوة تسمية اليزيدية بتسمية جديدة (ازيدية) هو امر خاطئ، وليس له أي أساس من الصحة. هذه الدعوة التحريفية نشأت منذ عدة اعوام، وهي التسمية الايرانية (الآرية) لليزيدية، في محاولة لارجاع كل التاريخ والميراث الديني والحضاري للمنطقة الى أسس عنصرية آرية معادية للشعوب السامية والتركستانية.. مثلاً بخصوص ادعاء تشابهنا مع الزرادشتية ، اجتمعنا نحن في دبي عام 1991 مع بعض شيوخ الديانة الزرادشتية (المجوسية) القادمين من الهند، وبعد نقاش طويل اقتنعنا بأن ليست هنالك أية تشابهات دينية أو طقسية ونحن نختلف عن بعضنا مظهراً وجوهراً، وهذا يدحض كل ادعاءات التكريد التي تصر على ارجاعنا الى الديانات الايرانية والهندية الآرية».
ويؤكد كتاب (الذات الجريحة) لمؤلفه العراقي سليم مطر كيف تعتز هذه الطائفة بأصولها، ويقول «نحن يزيدية وسنبقى يزيدية، ونعتز بأصولنا الدينية العراقية.. ان اليزيدية في كل أنحاء العالم مهما كان حجمهم يعتبرون ان مركز ديانتهم المقدس منذ الأمبراطورية الآشورية البابلية هو جزء من منطقة نينوى، وان اليزيدية مرتبطة بأرض العراق ديناً وأرضاً وشعباً».
ويوضح الاموي قائلا «ان جميع الاستكشافات الاثرية التي جرت في مناطق سنجار والشيخان، وكل الاثار والمسكوكات واللقى الاثرية التي تم العثور عليها في مناطقنا، جميعها بابلية آشورية، ولم يعثر حتى الان على قطعة اثرية واحدة تدل على وجود ميديين او زراداشتيين او مجوس او أي شيء اخر يخص الحضارة الايرانية. حتى الكتابة اليزيدية التي استخدمها اليزيديون لتدوين كتبهم المقدسة (الجلوة والكتاب الأسود)، مكتوبة بنوع من الخط الارامي، وهي موجودة في متاحف أوروبا»، ودعا جميع المثقفين العراقيين وجميع الجهات الحريصة على وحدة العراق وشعبه بكل فئاته، وبالتنسيق مع المثقفين اليزيديين «من أجل تكوين المؤسسات الثقافية واللجان الدراسية الجادة والوطنية التي تحترم خصوصيتنا اليزيدية وهويتنا العراقية».
ويؤكد الاموي ان اليزيدية لا يعبدون إلا الله الواحد، الذي لا شريك له، وهذا واضح في قول الشيخ عدي بن مسافر الاموي حيث يقول في توحيد الباري عز وجل «لا تجري ماهيته في مقال، ولا تخطر كيفيته ببال، جل عن الامثال والاشكال، صفاته قديمة كذاته، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير».
وهناك من يتهم اليزيديين، سواء عن جهل او قصد، بانهم من عبدة الشيطان، ويستند هؤلاء الى انهم يتخذون من الطاووس رمزا مقدسا، لكن الحقيقة التي يوضحها اميرهم انور الاموي هي ان تهمة عبادة الشيطان، هي تهمة باطلة تم إصطناعها من قبل الأطراف العثمانية التي ارادت تبرير إضطهاد اليزيدية والاستيلاء على قراهم. لقد تدعمت هذه التهمة الباطلة لدى كثير من الناس لأنهم يشاهدون الإنسان اليزيدي يتأفف ويغضب عندما يسمع عبارة «لعنة الله على الشيطان». ويقول ان السبب هو ان العبارة لا علاقة لها بتقديس الشيطان، بل لأنه يعرف بأن الناس تقولها من اجل إغاظته «فمن المعلوم اننا نحن اليزيديين نعبد الله الواحد الأحد ومن بعده جبرائيل (طاووس ملك) ونؤمن بالنبي ابراهيم الخليل الذي نعتبره جدنا الأكبر بعد آدم، ونقدس ايضا يزيد بن معاوية باعتباره رمز سلالتنا الأموية، وكذلك عدي بن مسافر باعتباره باني طريقتنا الروحية وجامع كتابنا المقدس (الجلوة والأسود).
وللمرأة اليزيدية مكانة محترمة جدا حيث انها تشارك الرجل في الكثير من المجالات الحياتية مثلها مثل المرأة العراقية عامة. ويرث الرجل حسب الديانة اليزيدية الثلثين بينما ترث المرأة الثلث.
ويوضح الامير انور الاموي ان لليزيديين كتابين مقدسين، والاثنان مكتوبان باللغة الارامية (وتسمى عند علماء الاحرف «اللغة السطرنكيلية») وهي لغة أهل بابل واشور، أما اللغة الحالية فهي العربية والكردية.